وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٥ - الصفحة ١٥٨
أخباره أنه كان في شبيبته يضرب بالعود ويغني فلما التحى وجهه قال كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف فنزع عن ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والفلسفة فقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوائرها الغاية واعتقد الصحيح منها وعلل السقيم وألف في الطب كتبا كثيرة وقال غيره كان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر وكان متقنا لهذه الصناعة حاذقا فيها عارفا بأوضاعها وقوانينها تشد إليه الرحال في أخذها عنه وصنف فيها الكتب النافعة فمن ذلك كتاب الحاوي وهو من الكتب الكبار يدخل في مقدار ثلاثين مجلدا وهو عمدة الأطباء في النقل منه والرجوع إليه عند الاختلاف ومنها كتاب الجامع وهو أيضا من الكتب الكبار النافعة وكتاب الأعصاب وهو أيضا كبير وله أيضا كتاب المنصوري المختصر المشهور وهو على صغر حجمه من الكتب المختارة جمع فيه بين العمل والعلم ويحتاج إليه كل أحد وكان قد صنفه لأبي صالح منصور بن نوح بن نصر بن إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان أحد الملوك السامانية فنسب الكتاب إليه وله غير ذلك تصانيف كثيرة وكلها يحتاج إليها ومن كلامه مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب ومن كلامه إذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا فما أقل لبث العلة ومن كلامه عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة وذكر القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة في باب من اشتد بلاؤه بمرض فعافاه الله بأيسر سبب وأقاله أن غلاما من بغداد قدم الري وكان ينفث الدم وكان لحقه ذلك في طريقه فاستدعى أبا بكر الرازي الطبيب المشهور بالحذق صاحب الكتب المصنفة فأراه ما ينفث ووصف له ما يجد
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»