إن أراد الصغير ان يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له فقال الجبائي لا لأنه يقال له إن أخاك إنما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات فقال الأشعري فإن قال ذلك الصغير التقصير ليس مني فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة فقال يقول الباري جل وعلا كنت اعلم انك لو بقيت لعصيت وصرت مستحقا للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك فقال الأشعري فلو قال الأخ الكافر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي فلم راعيت مصلحته دوني فقال الجبائي للأشعري إنك مجنون فقال لا بل وقف حمار الشيخ في العقبة فانقطع الجبائي وهذه المناظرة دالة على أن الله تعالى خص من شاء برحمته وخص آخر بعذابه وان افعاله غير معللة بشيء من الأغراض ثم وجدت في تفسير القرآن العظيم تصنيف الشيخ فخر الدين الرازي في سورة الأنعام ان الأشعري لما فارق مجلس الأستاذ الجبائي وترك مذهبه وكثر اعتراضه على أقاويله عظمت الوحشة بينهما فاتفق يوما ان الجبائي عقد مجلس التذكير وحضر عنده عالم من الناس فذهب الأشعري إلى ذلك المجلس وجلس في بعض النواحي مختفيا عن الجبائي وقال لبعض من حضره من النساء أنا أعلمك مسألة فاذكريها لهذا الشيخ ثم علمها سؤالا بعد سؤال فلما انقطع الجبائي في الأخير رأى الأشعري فعلم أن المسالة منه لا من العجوز ورأيت في كتاب المسالك والممالك لابن حوقل في فصل خوزستان ان جبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمائر بالنخل وقصب السكر وغيرهما قال ومنها أبو علي الجبائي الشيخ الجليل إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره
(٢٦٨)