بسره المكتوم فاستحسن ذلك منه وعلم موضعه من العلم وصنف في عنفوان شبابه كتابه الذي سماه الزهرة وهو مجموع أدب أتى فيه بكل غريبة ونادرة وشعر رائق واجتمع يوما هو وأبو العباس ابن سريج في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في الإيلاء فقال ابن سريج أنت بقولك من كثرت لحظاته دامت حسراته أبصر منك بالكلام في الإيلاء فقال له أبو بكر لئن قلت ذلك فإني أقول (أنزه في روض المحاسن مقلتي * وأمنع نفسي أن تنال محرما) (وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه * يصب على الصخر الأصم تهدما) (وينطق طرفي عن مترجم خاطري * فلولا اختلاسي رده لتكلما) (رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم * فما إن أرى حبا صحيحا مسلما) فقال له ابن سريج وبم تفتخر علي ولو شئت أنا لقلت (ومساهر بالغنج من لحظاته * قد بت أمنعه لذيذ سناته) (ضنا بحسن حديثه وعتابه * وأكرر اللحظات في وجناته) (حتى إذا ما الصبح لاح عموده * ولى بخاتم ربه وبراته) فقال أبو بكر يحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه فقال أبو العباس ابن سريج يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك (أنزه في روض المحاسن مقلتي * وأمنع نفسي أن تنال محرما) فضحك الوزير وقال لقد جمعتما ظرفا ولطفا وفهما وعلما ورأيت في بعض المجاميع هذه الأبيات منسوبة منسوبا إليه (لكل إمرىء ضيف يسر بقربه * ومالي سوى الأحزان والهم من ضيف) (له مقلة ترمي القلوب بأسهم * أشد من الضرب المدارك بالسيف)
(٢٦٠)