وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٤ - الصفحة ٢١٧
اشتغل في مبدأ أمره بطوس على أحمد الراذكاني ثم قدم نيسابور واختلف إلى دروس إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وجد في الاشتغال حتى تخرج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشار إليهم في زمن أستاذه وصنف في ذلك الوقت وكان أستاذه يتبجح به ولم يزل ملازما له إلى أن توفي في التاريخ المذكور في ترجمته فخرج من نيسابور إلى العسكر ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل فجرى بينهم الجدال والمناظرة في عدة مجالس فظهر عليهم واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان ثم فوض إليه الوزير تدريس مدرسته النظامية بمدينة بغداد فجاءها وباشر إلقاء الدروس بها وذلك في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وأربعمائة وأعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج وناب عنه أخوه أحمد في التدريس فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع في الجانب الغربي منه وأنتقل منها إلى البيت المقدس واجتهد في العبادة وزيارة المشاهد والمواضع المعظمة ثم قصد مصر وأقام بالإسكندرية مدة ويقال إنه قصد منها الركوب في البحر إلى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فبينا هو كذلك بلغه نعي يوسف بن تاشفين المذكور فصرف عزمه عن تلك الناحية ثم عاد إلى وطنه بطوس واشتغل بنفسه وصنف الكتب المفيدة في عدة فنون منها ما هو أشهرها كتاب الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة في الفقه ومنها إحياء علوم الدين وهو من أنفس الكتب وأجملها وله في أصول الفقه المستصفى فرغ من تصنيفه في سادس المحرم
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»