وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٣ - الصفحة ٧٣
والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت والله يا بني أنت أعلم بنفسك ان كنت تعلم أنك على حق فامض له فقد قتل عليه أصحابك وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك وان قلت إني على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال هذا رأيي ولكن أحببت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة فانظري يا أماه إني مقتول من يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمي لأمر الله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عمل بفاحشة ولم يجر في حكم ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي ولكن تعزية لأمي لتسلو عني فقالت أمه إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا اخرج حتى انظر إلى ما يصير إليه أمرك ثم قالت اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل وذلك التحنث والظمأ في الهواجر بالمدينة ومكة وبره بأبيه وبي اللهم قد اسلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين الصابرين ثم دنا فتناول يدها فقبلها فقالت هذا وداع فلا تبعد وكان عليه درع فلما عانقها وجدت مس الدرع فقالت ما هذا صنيع من يريد ما تريد قال ما لبستها إلا لأشد منك قالت فإنها لا تشد مني فنزعها ثم أدرج كميه وأدخل أسفل قميصه وجبة خز كانت عليه من أسفل المنطقة وخرج وقد كبر الناس فحمل عليهم فلم يبق بين يديه أحد وانهزم الناس ووقف بالأبطح لا يدنو منه أحد وكان الحجاج وطارق ابن عمرو جميعا في ناحية الأبطح إلى المروة والناس لكل طائفة منهم باب فمرة يحمل عبد الله في هذه ومرة في هذه وكأنه أسد في أجمة فلما كان يوم الثلاثاء أذن المؤذن فتقدم فصلى بالناس فلما فرغ من الصلاة أمر أهله وحضهم على القتال ثم قال لهم في جملة كلامه ألا من كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول احملوا على بركة الله وعونه ثم حمل حتى بلغ بهم الحجون فرمي بآجرة فأرعش لها ودمي وجهه فلما وجد سخونة الدم على وجهه ولحيته قال (فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما) وصاحت مولاة لآل الزبير ومجنونة وا أمير المؤمنيناه وكانت رأته حيث
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»