ورأيت بخطي في مسوداتي أنه لما قتل مروان بن محمد الأموي استخفى عبد الحميد بالجزيرة فغمز عليه فأخذ ودفعه أبو العباس وأظنه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته فكان يحمي له طستا بالنار ويضعه على رأسه حتى مات وكان من أهل الأنبار وسكن الرقة وشيخه في الكتابة سالم مولى هشام بن عبد الملك وروى محمد بن العباس اليزيدي بإسناد ذكره قال أتي أبو جعفر المنصور أخو السفاح وهو ثاني خلفاء بني العباس بعد قتل مروان بن محمد الجعدي بعبد الحميد الكاتب والبعلبكي المؤذن وسلام الحادي فهم المنصور بقتلهم جميعا لكونهم من أصحاب مروان فقال سلام استبقني يا أمير المؤمنين فإني أحسن الناس حداء فقال وما بلغ من حدائك فقال تعمد إلى إبل فتظمئها ثلاثا ثم توردها الماء فإذا وردت رفعت صوتي بالحداء فترفع رؤوسها وتدع الشرب ثم لا تشرب حتى أسكت قال فأمر المنصور بإبل فأظمئت ثلاثة أيام ثم أوردت الماء فلما بدأت بالشرب رفع سلام صوته بالحداء فامتنعت من الشرب ثم لم تشرب حتى سكت فاستبقى سلاما وأجازه وأجرى عليه رزقه وقال له البعلبكي المؤذن استبقني يا أمير المؤمنين قال وما عندك قال أنا مؤذن قال وما بلغ من أذانك قال تأمر جارية تقدم إليك طستا وتأخذ بيدها إبريقا وتصب عليك وأبتدىء الأذان فتدهش ويذهب عقلها إذا سمعت أذاني حتى تلقي الإبريق من يدها وهي لا تعلم فأمر جارية فأعدت إبريقا فيه ماء وقدمت إليه طستا وجعلت تصب عليه ورفع البعلبكي صوته بالأذان فبقيت الجارية شاخصة وألقت الإبريق من يدها فاستبقاه وأجازه وأجرى عليه الرزق وصير أمر الجامع إليه وقال له عبد الحميد الكاتب استبقني يا أمير المؤمنين قال وما عندك قال أنا أبلغ أهل زماني في الكتابة فقال له المنصور أنت الذي فعلت بنا الأفاعيل وعملت بنا الدواهي فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه والله
(٢٣٠)