وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٣ - الصفحة ١٥٣
ولما مات السفاح في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة بعلة الجدري وكانت وفاته بالأنبار وتولى الخلافة أخوه أبو جعفر المنصور يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من السنة وهو بمكة صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله وبقي حائرا بين الاستبداد برأيه وفي أمره أو الاستشارة فقال يوما لسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي ما ترى في أمر أبي مسلم قال * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * فقال حسبك يا ابن قتيبة لقد أودعتها أذنا واعية وكان أبو مسلم قد حج فلما عاد نزل الحيرة التي عند الكوفة وكان بها نصراني عمره مائتا سنة يخبر عن الكوائن فأحضره وسمع كلامه وكان في جملته أنه يقتل وقال له إن صرت إلى خراسان سلمت فعزم على الرجوع إليها فلم يزل المنصور يخدعه بالرسائل حتى أحضره إليه وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها وأنه مميت دولة ومحيي دولة وانه يقتل ببلاد الروم وكان المنصور يومئذ برومية المدائن التي بناها كسرى ولم يخطر بقلب أبي مسلم أنها موضع قتله بل راح وهمه إلى بلاد الروم فلما دخل على المنصور رحب به ثم أمره بالانصراف إلى مخيمه وانتظر المنصور فيه الفرص والغوائل ثم إن أبا مسلم ركب إليه مرارا فأظهر له التجني ثم جاءه يوما فقيل له إنه يتوضأ للصلاة فقعد تحت الرواق ورتب المنصور له جماعة يقفون وراء السرير الذي خلف أبي مسلم فإذا عاتبه لا يظهرون فإذا ضرب يدا على يد ظهروا وضربوا عنقه ثم جلس المنصور ودخل عليه أبو مسلم فسلم فرد عليه وأذن له في الجلوس وحادثه ثم عاتبه وقال فعلت وفعلت فقال أبو مسلم ما يقال هذا لي بعد سعيي واجتهادي وما كان مني فقال له يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»