وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٢ - الصفحة ٤٤٥
على شاور مستهل رجب وأعيد إلى الوزارة وتمكن منها والقصة مشهورة وحدث ملك الفرنج نفسه بملك مصر وأخذ بلبيس وحكم عليها وكان استقر بينهم وبين المصريين أن يكون لهم بالقاهرة شحنة وتكون أسوارها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين من ايفاد عسكر إليهم ويكون لهم من دخل مصر كل سنة مائة ألف دينار وهذا كله استقر مع شاور فان العاضد لم يكن له معه حكم قد حجر عليه وحجبه عن الأمور كلها وعاد الفرنج إلى بلاد الساحل الشامي وتركوا بمصر جماعة من مشاهير فرسانهم وكان الكامل شجاع بن شاور قد ارسل إلى نور الدين مع بعض الأمراء ينهي إليه محبته وولاءه ويسأله الدخول في طاعته وضمن على نفسه انه يجمع الكلمة بمصر على طاعته وبذل مالا يحمله كل سنة فأجابه إلى ذلك وحملوا إليه مالا جزيلا فبقي الأمر على ذلك إلى أن قصد الفرنج مصر سنة أربع وستين وفي ربيع الأول من هذه السنة سار أسد الدين شيركوه إلى ديار مصر ومعه العساكر النورية وسبب ذلك ما ذكرناه من تمكن الفرنج وانهم جعلوا لهم في القاهرة شحنة وتسلموا أبوابها وجعلوا فيها جماعة من فرسانهم وحكموا على المسلمين حكما جائرا فلما رأوا ذلك وان البلاد ليس فيها من يردهم ارسلواالى ملك الفرنج بالشام وهو مري ولم يكن للفرنج منذ ظهروا بالشام مثله شجاعة ومكرا ودهاء يستدعونه ليملكها واعلموه خلوها من ممانع وهونوا عليه أمرها فلم يجبهم إلى ذلك فاجتمع عنده فرسان الفرنج وذوو الرأي وأشاروا عليه بقصدها فقال لهم الرأي عندي أنا لا نقصدها فإنها طعمة لنا وأموالها تساق إلينا نتقوى بها على نور الدين وان نحن قصدناها لنملكها فإن صاحبها وعساكره وعامة بلاده لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها ويحملهم الخوف على تسليمها إلى نور الدين وان أخذها وصار له فيها مثل أسد
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»