اعمل لي أبياتا أغني بها أمير المؤمنين يعني المأمون فقال وأي حظ لي في ذلك تأخذ الجائزة وأحصل أنا على الإثم فحلف له أنه إن وصله بشيء قاسمه إياه فقال لي أنت أنذل من ذلك ولكن ذكره بي فلعله أن يصلني بشيء قلت أفعل فأنشدني (تقول سلا فمن المدنف * ومن عينه أبدا تذرف) (ومن قلبه قلق خائف * عليك وأحشاؤه ترجف) فحفظت الشعر وعملت فيه لحنا وحضرنا عند أمير المؤمنين من الغد وكان بينه وبين بعض حظاياه هجرة فوجهت إليه بتفاحة عليها مكتوب بالغالية يا سيدي سلوت وابتدأت أغني بشعر خالد فلما غنيته إياه انقلبت عيناه ودارتا في رأسه وظهر الغضب في وجهه وقال لكم على حرمي أصحاب أخبار فقمت إعظاما لما شهدت منه وقلت أعيذ أمير المؤمنين بالله أن يظن بعبد من عبيده هذا الظن وأنزه داره أن يكون لأحد عليها صاحب خبر قال فمن أين عرفت خبري مع جاريتي حتى غنيت في معنى ما بيننا فحدثته حديثي مع خالد فلما انتهيت إلى قوله أنت أنذل من ذلك فقال أشهد أنك كذلك وأسفر وجهه وقال ما أعجب هذا الاتفاق وأمر لي بخمسة آلاف درهم ولخالد بمثلها وقال بعض من كان يحضر مجلس أبي العباس المبرد كنا نختلف إليه فإذا كان في آخر المجلس أملى علينا من طرف الأخبار وملح الأشعار ما نرتاح إلى حفظه فأنشدنا يوما مرثية زياد الأعجم في المغيرة بن المهلب وهي (إن السماحة والمروة والندى * قبر بمرو على الطريق الواضح) (فإذا مررت بقبره فاعقر به * كوم الهجان وكل طرف سابح) (وانضح جوانب قبره بدمائها * فلقد يكون أخا دم وذبائح) (مات المغيرة بعد طول تعرض * للموت بين أسنة وصفائح) قال فخرجت من عنده وأنا أدير بها لساني لأحفظها فإذا بشيخ قد خرج
(٢٣٥)