وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٢ - الصفحة ١٦٥
فتى من أهل الشام عجيب الخلقة والشكل غليط جلف جاف فكنت أحتمل ذلك منه وكان حظي التعجب منه وكان يأتيني بكتب عشقية له ما رأيت كتبا أحلى منها ولا أظرف ولا أشكل من معانيها ويسألني أن أجيب عنها فأجهد نفسي في الجوابات وأصرف عنايتي إليها على علمي أن الشامي بجهله لا يميز بين الخطأ والصواب ولا يفرق بين الابتداء والجواب فلما طال ذلك علي حسدته وتنبهت على إفساد حاله عندها فسألته عن اسمها فقال بصبص فكتبت إليها عنه في جواب كتاب منها كان جاءني به (أرقصني حبنك يا بصبص * والحب يا سيدتي يرقص) (أرمصت أجفاني لطول البكا * فما لأجفانك لا ترمص) (أوحشني وجهك ذاك الذي * كأنه من حسنه عصعص) قال فجاءني بعد ذلك يا أبا علي ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي فقلت له وما ذاك عافاك الله فقال ما هو إلا أن وصل إليها ذلك الكتاب حتى بعثت إلي إني مشتاقة إليك والكتاب لا ينوب عن الرؤية فتعال إلى الروشن الذي بالقرب من بابنا فقف بحياله حتى أراك فتزينت بأحسن ما قدرت عليه وصرت إلى الموضع فبينا أن واقف أنتظر مكلما لي أو مشيرا إلى وإذا شيء قد صب علي فملأني من فرقي إلى قدمي فأفسد ثيابي وسرجي وصيرني وجميع ما علي ودابتي في نهاية السواد والنتن والقذر وإذا هو ماء قد خلط ببول وسواد وسرجين وانصرفت بخزي وكان ما مر بي من الصبيان وسائر من مررت به من الطنز والضحك والصياح أعظم مما جرى علي ولحقني من أهلي ومن منزلي وشر من ذلك وأعظم من كل ما ذكرت أن رسلها انقطعت عني جملة قال فجعلت أعتذر إليه وأقول إن الآفة أنها لم تفهم الشعر لجودته وأنا أحمد الله على ما ناله وأسر بالشماتة به حدث محمد بن جعفر بن قدامة عن محمد بن عبد الملك قال كنا في مجلس
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»