منهم ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر ثم أقبل على القاضي يحيى فقال له أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن قال لا قال فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه يعني الغناء قال العطوي فالتفت إلي القاضي يحيى وقال لي الجواب في هذا عليك وكان العطوي من أهل الجدل فقال للقاضي يحيى نعم أعز الله القاضب الجواب علي ثم أقبل على إسحاق فقال يا أبا محمد أنت كالفراء والأخفش في النحو فقال لا فقال فأنت في اللغة ومعرفة الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة قال لا قال فأنت في علم الكلام كأبي الهذيل العلاف والنظام البلخي قال لا قال فأنت في الفقه كالقاضي وأشار إلى القاضي يحيى قال لا قال فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس قال لا قال فمن ههنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه وأنت في غيره دون رؤساء أهله فضحك وقام وانصرف فقال القاضي يحيى للعطوي لقد وفيت الحجة حقها وفيها ظلم قليل لإسحاق وإنه ممن يقل في الزمان نظيره وذكر صاحبنا عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن باطيش الموصلي في كتابه الذي سماه التمييز والفصل أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي كان مليح المحاورة والنادرة ظريفا فاضلا كتب الحديث عن سفيان بن عيينة ومالك بن أنس وهشيم بن بشير وأبي معاوية الضرير وأخذ الأدب عن الأصمعي وأبي عبيدة وبرع في علم الغناء فغلب عليه ونسب إليه وكان الخلفاء يكرمونه ويقربونه وكان المأمون يقول لولا ما سبق لإسحاق على ألسنة الناس واشتهر بالغناء لوليته القضاء فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة ولكنه اشتهر بالغناء وغلب على جميع علومه مع أنه أصغرها عنده ولم يكن له فيه نظير وله نظم جيد وديوان شعر فمن شعره ما كتبه إلى هارون الرشيد (وآمره بالبخل قلت لها اقصري * فليس إلى ما تأمرين سبيل)
(٢٠٣)