لما قرب من جو بأربعة أيام قال لأصحابه ان اليمامة ستراكم على البعد الكثير فتنذر بكم، فليحمل كل واحد منكم غصنا من شجرة أعظم ما يقدر عليه ليسدل أغصانه عليه وجوانبه، ففعلوا ذلك.
فقالت اليمامة لما رأت ذلك: يا جديس قد أتتكم الشجر، تخبط المدر، فاستعملوا منها الحذر فكذبوها، وقالوا لها: أتسير الشجر؟
فلما كان في اليوم الثالث قالوا لها: انظري، فنظرت فقالت: أرى رجلا في كتفه كتف، أو نعل يخصفه فكذبوها، وقالوا قد تغير نظرها، وكيف ترى على هذا البعد ما لم يتصل بنا خبره، فكان حسان يسير بالليل ويكمن بالنهار، إلى أن صبحهم فقتلهم أبرح قتل، وهدم منازلهم واستباح نساءهم.
وأخذ اليمامة، وقال لها ألا عرفتيهم بمسيري؟ قالت: قد فعلت لو قبلوا، ونظر فرأى في عينها عروقا سوداء، فقال لها: بم كنت تكتحلين؟
فقالت له: بحجر الأثمد، مربى بماء المطر. فقيل انه قطع يدها ورجلها، وقلع عينها وصلبها، فيقال: إن رئيها من الجن لطمه فأعوره، ومنعه النوم فلم يكن ينام.
وقد ذكرت الشعراء اليمامة فأكثروا، قال الأعشى يذكرها في القصيدة التي أولها:
بانت سعاد فأمسى حبلها انقطعا فقال يذكرها ونظرها:
ما نظرت (1) ذات أشفار كنظرتها * حقا كما نظر الربى إذا شجعا فكذبوها بما قالت فصحبهم * جيوش حسان تزجي الموت والسلعا وإياها عنى: