لا تدع بها إلا في مهم عظيم ففيها (1) اسم الله الأعظم، وقال: اللهم أنت الداعي لعبادك وبعينك ما هم فيه وما خرجوا من الفتنة إليه بغلبة هذا الجبار الذي قد استهوته الشياطين وانقيادهم له، وإن لم تغثهم ضلوا وهلكوا، وأنت أعلم بما يصلحهم، فاحقن دماءهم وامنع هذا الجبار منهم، وخذه بجريرته واكفنا أمره.
فأمر الله عز وجل الرياح الأربع فأقبلت على ذلك الصرح من جوانبه فجعلته دكا واتبع ذلك ظلمة شديدة ورجفة عظيمة تزعزعت لها الجبال.
فنهض العالم على وجوههم لا يرى بعضهم بعضا، ولا يدرون أين يتوجهون وضعفت ألسنتهم عن الكلام.
وهلك اللعين عدو الله النمروذ، وهلك من كان يعبده، ومشى الناس في الظلمة هاربين ثلاثة أيام ثم لاحت لهم شعوب فيها نور يسير، فتشعب كل شعب فرقة هربت نحوه طلبا للنجاة، وتبع كل فرقة قوم يحثونهم، وهذا بلغة غير لغة الفرقة الأخرى، حتى خرجت كل فرقة إلى ناحية من الأرض وقد تبلبلت ألسنتهم وكثرت لغاتهم، فإذا وصلت فرقة منهم إلى موضع ناداهم مناد " هذا موضعكم الذي تكونون فيه فاعتمروا فيه وأثمروا ".
فخرج بنو سام لناحية اليمن إلى الشحر وحضرموت إلى آخر خط الاستواء، فمنهم العرب العاربة.
وخرج بنو حام إلى السند والهند وبلاد أسوان (2). وخرج بنو يافث إلى الشمال،. فمنهم الروم والخزر والترك والصقالبة والإفرنج، ويأجوج ومأجوج.
وخرج بنو يحطون إلى الصين الأقصى وأقاصي الشرق، فنزل (3) كل قوم في موضعهم وعمروه وتوالدوا فيه إلى اليوم.