العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٦٨
وكيف يجوز أن يكون أكمل الناس خفى العلم ومغيب العمل، وهو لا يكون كذلك حتى تكثر تجربته ويكثر صوابه، ويشتد حلمه، ويحسن تدبيره، ولابد من كثرة حج وغزو، وصلاة وصوم وصدقة، وذكر وقراءة قرآن، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحدب على الأولياء وغلظة على الأعداء. إن دام فقره دامت قناعته وقل إسفافه، وإن دام غناه دام بذله وقل طغيانه. وليس من هذا شئ إلا وهو يشهر صاحبه ويظهر للناس مكانه، ويدعو إلى محبته وتعظيمه.
وإن زعموا أنه يجوز أن يكون خير الناس أو أعلم الناس، وإن لم يعرف بشئ مما ذكرنا، فقد صار خير الناس من لم يعمل خيرا قط.
فإن قالوا: فما تقولون إن وجدوا عشرة سواء؟
قلنا: قد يكون أن تجدوا عشرة متقاربين، فإذا صاروا إلى الموازنة بان الأفضل من الانقص. وقليلا (1) ما يكون ذلك، كما وجدنا الستة الشورى الذين اختارهم عمر والمهاجرون والأنصار معه، فقد كانوا في طبقة واحدة. ولكن أهل الطبقة قد يتفاضلون بأمر بين لا خفاء به، كما نظروا فاختاروا عثمان غير مكرهين ولا محمولين.
ولكن لا يجوز بوجه من الوجوه أن يتفق عشرة سواء في الحقيقة، وعند الموازنة الصحيحة، لان في اتفاق ذلك بطلان الإمامة. ولو جاز أن يتفق عشرة سواء لجاز أن يكون الرقباء والشهود عليهم سواء. ولو جاز أن تستوى حالاتهم وأفعالهم جاز أن يقولوا لما ينبغي أن يقولوا فيه نعم: " لا " معا، ولما ينبغي لهم أن يقولوا فيه لا: " نعم " معا.

(1) في الأصل: " وقليل ".
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»