العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٤
كالقوى، ولا الآمن كالخائف. فإذا كان إسلام زيد وخباب أفضل من إسلامه في ذلك الدهر كما عددنا من الطبقات. ورتبنا من المنازل، ونزلنا من الحالات، فإسلام أبى بكر أفضل من إسلامهما، فقد سقطت المنازعة، وارتفعت الخصومة عند من فهم كتابنا ولم يمنع نفسه الحظ بصحبتنا، لفرط التباين وعظم الفرق.
فصل: والدليل على أن إسلام أبى بكر كان أفضل من إسلام زيد وخباب أن زيدا كان رجلا غير مذكور بعلم، ولا مزن بمال (1) ولا مغشى المجلس، ولا مزور الرحل، وكذلك كان خباب، وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلم العرب بالعرب كلهم. وأرواها لمناقبها ومثالبها، وأعرفها بخيرها وشرها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان مع سن حسان وعلمه وتحاكم الشعراء إليه، حيث أمره النبي عليه السلام أن يهجو أبا سفيان بن الحارث، وحيث قال له: " اهجهم ومعك روح القدس ".
وحيث قال له: هيج الغطاريف على بنى عبد مناف - في قتل أبى أزيهر (2) - والق أبا بكر فإنه أعلم الناس بهم.

(١) في اللسان " قال اللحياني: أزننته بمال وبعلم وبخير، أي ظننته ".
(٢) الغطاريف: " السادة الاشراف. وفى رواية بعض نسخ البيان (١: ٢٧٣):
" اهج الغطاريف من بنى عبد مناف " وفى بعضها وهى نسخة (ه‍) مطابق لما هنا. والذي في العمدة 1: 12 " وقال لحسان بن ثابت: اهجهم - يعنى قريشا - فوالله لهجاؤك عليهم أشد من وقع السهام في غلس الظلام، اهجهم ومعك جبريل روح القدس، والق أبا بكر يعلمك تلك الهنات ".
وأما ما كان من أمر أبى أزيهر الدوسي، فإن الوليد بن المغيرة كان قد تزوج ابنته، ثم أمسكها أبو أزيهر عنه فلم يدخلها عليه حتى مات، وكان الوليد قد أوصى ولده قبل أن يموت أن يطلبوا أبا أزيهر بعقره - والعقر: دية الفرج المغصوب - وكانت بنته قد تزوجها أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فعدا هشام بن الوليد بن المغيرة على =
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»