العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٠٨
وقد قال الله: " واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (1) "، فلم يستثن من جميع النفوس نفسا واحدة، لا ابن نبي ولا ابن عمه.
وقال الله: " يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا (2) ". والمولى كلمة واقعة على جميع، فمنه ابن عم المرء، ومنه خليفته. ومنه مولاه من فوق، ومنه مولاه من تحت، ومنه مولاه الذي ملكه قبل عنقه.
فإذا قال الله: " يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا " فقد دخل فيه ابن العم وغيره، ولم يستثن الأنبياء دون المسلمين.
وقال: " يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم (3) " وقال: " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا (4) " ثم قال: " إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ".
فمن اغتر بعد هذا بالقرابة واتكل على غير العمل الصالح فقد رد تأديب الله وتعليمه.
ثم الذي رأينا من قصة ابن آدم حين قرب من أخيه قربانا فتقبل من أخيه ولم يتقبل منه. فقتله حسدا له وبغيا عليه. وكيف لم تنفعه قرابته من آدم حيث لعنه الله وبرئ منه، وجعله من أصحاب النار، ثم قال: " وذلك جزاء الظالمين (5) ".

(1) الآية 48 من سورة البقرة.
(2) الآية 41 من سورة الدخان.
(3) الآية 88 - 89 من سورة الشعراء.
(4) الآية 33 من سورة لقمان.
(5) من الآية 29 في سورة المائدة.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»