آبائهم، وعبادة أصنامهم. ثم الذي لقى المهاجرون في الله ببطن مكة والأنصار وادعون في بيوتهم، رافهون في ديارهم، ناعم بالهم، خلى سربهم (1) لذيذ عيشهم، ثم هاجروا إلى دارهم فكانوا معا في العبادة والجهاد، إلا ما فضلوا به من وحشة الاغتراب، وفراق الدار والأحباب، فللمهاجرين مثل ما للأنصار، وقد بانوا بسابقتهم. وإنما قدموا في القرآن لتقدمهم في الاسلام.
وكما أن المهاجرين الأولين ليسوا كغيرهم من المهاجرين، وكما أن من أسلم بعد الفتح ليس كمن أسلم قبله، فكذلك ليس من أسلم والناس كلهم كفار غيره، كمن أسلم وقد أسلم الناس قبله.
وأنت إذا تأملت قول الصديق للأنصار: " إن هذا الامر ليس بخلسة " علمت أنه كان ثابت الجنان، رابط الجأش، واثقا بالحجة.
عارفا بمواضع الإمامة، وإنما كانت غايته تقريرهم بفضيلة المهاجرين، لانهم إذا صاروا إلى ذلك فلا حاجة به إلى ذكر نفسه وتعريفهم فضله، لان تبريزه كان بينا على المهاجرين، وفضله كان ظاهرا على السابقين.
والدليل على ذلك أن خوض الأنصار وكلامها لم يكن إلا فيما بين جملة الأنصار وجملة المهاجرين، قالوا: منا أمير ومنكم أمير. فما هو إلا أن قررهم بفضيلة المهاجرين فلم يكن لهم بعد ذلك متكلم، حتى أطبقوا جميعا على بيعته هم والمهاجرون من بين جميع المهاجرين - فلا يستطيع أحد أن يدعى أن إنسانا قال من الأنصار: فإن كان لابد أن يكون منكم الامراء فليكن فلان، فإنه أفضل وأحق بقرابة أو بعمل - فسكتوا معا سكتة واحدة، وسلموا معا تسليما واحدا.