وارتدت العرب وانتقضت العهود، وظهر النفاق وماج الناس، فوثب رجل من عرض أصحابه، فلم يزل باللين والشدة، والكف والاقدام، والبطش والحيلة، حتى رده في نصابه، وأعاده كأحسن عادته ببذل النفس فما دونها (1)، لقد كان صنع صنيعا عظيما، وفعل فعلا كبيرا.
فكيف برجل قام بأمر الاسلام وقد هتكت أستاره، وتقطعت أطنابه، ومرجت عهوده (2) منفرد (3) بالرأي غير مستعين عليه، ولا مستوحش (4) إلى غيره، بل خالفه الجميع في صوابه (5) وما أوجده الرأي، ودل عليه النظر من عزمه، وقد أبى إلا صرامة وبصيرة وثقة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات غير مخوف ولا متوقع قدومه، فرد أهل الردة قاطبة ما بين أعلى الحيرة، إلى شحر عمان إلى أقاصي اليمن، وقمع النفاق بالمدينة وما حولها، وقتل مسيلمة واستفتح اليمامة، وأسر طليحة، ثم أوطأ خيله الشام، وجند الأجناد، ومنع الحوزة، ووطأ الامر، وقتل العدو بكل مكان. ثم لم يستأثر بدرهم، ولم يكنز دينارا، ولم يخلف درهما، ولم يتفكه بغنيمة، وجعل عمالته مردودة على بيت مال المسلمين، ولذلك قال عمر: " رحم الله أبا بكر لقد شق على من بعده ".
فما الشئ الذي لو كان على هو القيم به كان أجزأ منه، وبلغ منه ما لم يبلغه. وكيف يكون على أجزأ منه ولم تغلق الفتوح إلا في زمانه، ولم نكن الفتن إلا على رأسه، ولم تخرج الخوارج إلا عليه. وهذا