العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٨٤
أكثرتم فيها، حيث قال صنعتم ولم تصنعوا، ومعنى هذا الكلام: إنكم قد أقمتم مجزيا وتركتم من هو أجزأ منه، فيجب أن نعرف الخلل الذي لم يسده أبو بكر... (1) التي لم يبلغها، والموضع الذي عجز عنه.
ما هو؟ وأي ضرب هو؟ إلا أن امتحن بما لم يمتحن به أحد قبله، ولا يمتحن به أحد بعده، من قيامه في مقام رسول الله صلى الله عليه، في عقب الذي تعود المسلمون من طريقته، وتعرفوا من سيرته في نفسه وفى أمته، ثلاثا وعشرين سنة - وهى السيرة التي لا تحتاج إلى الاخبار عن فضلها، والاطناب في تشريفها - فلم يغادر ولم ينحرف ولم يتغير، ولم يؤثر (2) ولم يضعف.
وقد علمنا أن الذي عظم صغير ما كان من أمر عثمان، وشنع عظيم ما كان منه من الضعف وغير ذلك، الذي كان من إفراط جلد عمر، وشدة رأيه وشكيمته، ويقظته وخشونته، وثبات عزمه، وحمله نفسه على مذهب صاحبيه قبله. ولذلك قال عن ثلاث (3): " ما قتل عثمان غير عمر ". فالفصل الذي بين النبي صلى الله عليه وأبى بكر أكبر وأظهر من فصل (4) ما بين عمر وعثمان. ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: " ليس لله ستر أكثف ولا أسبغ من ستره على الصديق حين لم يتكشف إذ قام يعقب النبي صلى الله عليه ".
وقد تعلمون أن لو كان النبي غائبا عن المدينة في غزاة، أو حجة

(1) بياض بقدر كلمة في الأصل، لعلها " في الأمور ".
(2) في الأصل: " ولم يؤثر " (3) كذا في الأصل.
(4) في الأصل: " وفصل ".
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»