العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٣٤
بالفضيلة والاستحقاق، أقل من الغلط فيما بين أقدار الناس، من الموازنة بين أفعالهم وعقولهم. وعلومهم وتجاربهم، وصلاح الناس عليهم، مع كثرة عدد الافعال المتساوية والمتقاربة، ومع كثرة عدد المتساوين والمتقاربين من الرجال.
فمما يدل على تفضيل النبي صلى الله عليه له قوله يوم غدير خم، وهو قابض على يده وقد أشخصه قائما لمن بحضرته: " من كنت مولاه فعلى مولاه. اللهم عاد من عاداه، ووال من والاه ". وقوله:
" أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي من بعدي ".
وقوله " اللهم آتني بأحب الناس إليك يأكل معي من هذا الطير ".
ثلاثا، كل ذلك يحجبه أنس، طمعا أن يكون أنصاريا، فأبى الله إلا أن يجعله الآكل، والآتي، والاحب.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه حين آخى بين أصحابه فقرن بين الاشكال، وقرد (1) بين الأمثال، جعله أخا من بين جميع أمته وعلية أصحابه.
قيل لهم: إن الاخبار لا بد فيها من التصادق كما لا بد في درك العقول من التعارف، فإن في عدم التعارف في حجج العقول، والتصادق في حجج السمع، عدم الانصاف، وبطلان الكلام.
وليس لكم أن ترفعوا خبرا له ضرب من الاسناد وتوجبون (2) تصديق مثله. لان كل واحد من الخصمين لا يعجزه دفع المستفيض بلسانه،

(1) قرد: جمع. وفى الأصل: " فرد ".
(2) أي وأنتم توجبون.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»