العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٦
وألطفها، وأطولها، ثم أخذته بدرسه وحفظه لحفظه حفظا عجيبا، ولهذه هذا ذليقا (1). فأما معرفته صحيحه من سقيمه، وحقه من باطله.
وفصل ما بين المقرب والدليل، والاحتراس من حيث يؤتى المخدوعون، والتحفظ من مكر الخادعين، وتأتى (2) المجرب، ورفق الساحر. وخلابة المتنبئ، وزجر الكاهن (3) وإخبار المنجمين، وفرق ما بين نظم القرآن وتأليفه ونظم سائر الكلام وتأليفه - فليس يعرف فروق النظر واختلاف البحث (4) إلا من عرف القصيد من الزجر (5)، والمخمس من الأسجاع، والمزاوج من المنثور، والخطب من الرسائل، وحتى يعرف العجز العارض الذي يجوز ارتفاعه من العجز الذي هو صفة في الذات.
فإذا عرف صنوف التأليف عرف مباينة نظم القرآن لسائر الكلام، ثم لم يكتف بذلك حتى يعرف عجزه وعجز أمثاله عن مثله، وأن حكم البشر حكم واحد في العجز الطبيعي وإن تفاوتوا في العجز العارض.
وهذا مالا يوجد عند صبي ابن سبع سنين وثمان سنين وتسع سنين أبدا، عرف ذلك عارف أو جهله جاهل. ولا يجوز أن يعرف عارف معنى الرسالة إلا بعد الفراغ من هذه الوجوه، إلا أن يجعل جاعل

(١) الذليق: الفصيح. وفى النسختين: " لهده هدا " تحريف. يقال هذا القرآن والحديث هذا: سرده. وفى حديث ابن عباس، قال له رجل: قرأت المفصل الليلة. فقال:
أهذا كهذ الشعر.
(2) في الأصل: " مانى " بإهمال أوله، وفى ب " ويأتي " ووجههما، ما أثبت. قال الأصمعي: تأتى فلان لحاجته. إذا ترفق لها وأتاها من وجهها.
(3) ب: " الكهان ".
(4) ب: " فروق النظم واختلاف البحث والنثر ".
(5) الزجر، واضحة في النسختين. يعنى زجر الكاهن، انظر طرفا منه في صدر سيرة ابن هشام. والزجر يلتبس على من لم يعرفه بالشعر.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»