العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٨٢
(1) مناقضة لصفحة 1 - 6 من العثمانية قال أبو جعفر الإسكافي:
لولا ما غلب على الناس من الجهل وحب التقليد لم نحتج إلى نقض ما احتجت به العثمانية، فقد علم الناس كافة أن الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم، وعرف كل أحد [علو (1)] أقدار شيوخهم وعلمائهم وأمرائهم، وظهور كلمتهم، وقهر سلطانهم. وارتفاع التقية عنهم، والكرامة والجائزة لمن روى الاخبار والحديث في فضل أبى بكر. وما كان من تأكيد بنى أمية لذلك. وما ولده المحدثون من الأحاديث طلبا لما في أيديهم، فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا أن يخملوا ذكر علي عليه السلام وولده، ويطفئوا نورهم ويكتموا فضائلهم، ومناقبهم وسوابقهم، ويحملوا على شتمهم وسبهم ولعنهم على المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلة عدهم وكثرة عدوهم، فكانوا بين قتيل وأسير، وشريد وهارب، ومستخف ذليل، وخائف مترقب، حتى إن الفقيه والمحدث والقاضي والمتكلم ليتقدم إليه ويتوعد بغاية الايعاد وأشد العقوبة أن لا يذكروا شيئا من فضائلهم ولا يرخصوا لاحد أن يطيف بهم، وحتى بلغ من تقية المحدث إذا ذكر حديثا عن علي عليه السلام كنى عن ذكره فقال: قال رجل من قريش، وفعل رجل من قريش ولا يذكر عليا عليه السلام ولا يتفوه باسمه. ثم رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله ووجهوا الحيل والتأويلات نحوها، من خارجي مارق، وناصب حنق، ونابت مستبهم، وناشئ معاند، ومنافق مكذب، وعثماني حسود، يعترض فيها ويطعن، ومعتزلي قد نفذ في الكلام وأبصر علم الاختلاف، وعرف الشبه ومواضع الطعن وضروب التأويل، قد التمس الحيل في إبطال مناقبه، وتأول مشهور فضائله.
فمرة يتأولها بما لا يحتمل، ومرة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض، ولا يزداد مع ذلك إلا قوة ورفعة، ووضوحا واستنارة.

(1) هذه من ط. أي من النسخة المطبوعة من شرح نهج البلاغة.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»