العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٨٥
اللهم إن كان سب عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه! فما لبث أن نفر به بعيره فسقط فاندقت عنقه.
وروى عثمان بن أبي شيبة عن عبد الله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة رحمها الله فقالت - له -: أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله فيكم وأنتم أحياء؟ قلت: وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي عليه السلام ومن يحبه.
وروى العباس بن بكار الضبي قال: حدثني أبو بكر الهذلي عن الزهري قال:
قال ابن عباس لمعاوية: ألا تكف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لافعل حتى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلما ولى عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه فقال الناس: ترك السنة. قال: وقد روى عن ابن مسعود إما موقوفا عليه أو مرفوعا:
كيف أنتم إذا شملتكم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجرى عليها الناس فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: غيرت السنة.
قال أبو جعفر: وقد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا أو دينا لهوى.
فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفون غيره، كنحو ما أخذ الناس الحجاج ابن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وأبى بن كعب، وتوعد على ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بنى أمية وطغاة بنى مروان بولد علي عليه السلام وشيعته.
وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها لامساك الآباء عنها، وكف المعلم عن تعليمها، حتى لو قرئت عليهم قراءة عبد الله وأبى ما عرفوها، ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان، لألف العادة وطول الجهالة، لأنه إذا استولت على الرعية العلية وطالت عليهم أيام التسلط، وشاعت فيهم المخافة، وشملتهم التقية، اتفقوا على التخاذل والتساكت، فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها.
ولقد كان الحجاج ومن ولاه، كعبد الملك والوليد، ومن كان قبلهما وبعدهما من
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»