عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٩٥
عظيم حتى وهبني الله من ذلك بفضله بقدر ما اطلع عليه من نيتي في إحياء ما خفت يدرس وتذهب منفعته لأبدان الناس فالله قد خلق الشفاء وبثه فيما انبتته الأرض واستقر عليها من الحيوان المشاء والسابح في الماء والمنساب وما يكون تحت الأرض في جوفها من المعدنية كل ذلك فيه شفاء ورحمة ورفق ولابن جلجل من الكتب كتاب تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس ألفه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة بمدينة قرطبة في دولة هشام بن الحكم المؤيد بالله مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به وما لا يستعمل لكيلا يغفل ذكره وقال ابن جلجل أن ديسقوريدس اغفل ذلك ولم يذكره إما لأنه لم يره ولم يشاهده عيانا وإما لأن ذلك كان غير مستعمل في دهره وأبناء جنسه رسالة التبيين فيما غلط فيه بعض المتطبيين كتاب يتضمن ذكر شيء من أخبار الأطباء والفلاسفة ألف في أيام المؤيد بالله أبو العرب يوسف بن محمد أحد المتحققين بصناعة الطب والراسخين في علمه قال القاضي صاعد حدثني الوزير أبو المطرف ابن و افد وأبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش إنه كان محكا لأصول الطب نافذا في فروعه حسن التصرف في أنواعه قال وسمعت غيرهما يقول لم يكن أحد بعد محمد بن عبدون يوازي أبو العرب في قيامه بصناعة الطب ونفوذه فيها وكان غلب عليه في آخر عمره حب الخمر فكان لا يوجد صاحيا ولا يرى مفيقا من خمار وحرم بذلك الناس كثيرا من الانتفاع به وبعلمه وتوفي وقد قارب تسعين سنة وذلك بعد ثلاثين وأربعمائة ابن البغونش هو أبو عثمان سعيد بن محمد بن البغونش قال القاضي صاعد كان من أهل طليطلة ثم رحل إلى قرطبة لطلب العلم بها فأخذ عن مسلمة بن أحمد علم العدد والهندسة وعن محمد بن عبدون الجبلي وسليمان بن جلجل وابن الشناعة ونظرائهم علم الطب ثم انصرف إلى طليطلة واتصل بها بأميرها الظافر إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عامر بن مطرف بن ذي النون وحظي عنده وكان أحد مديري دولته قال ولقيته أنا فيها بعد ذلك في صدر دولة المأمون ذي المجد بن يحيى بن الظافر إسماعيل بن ذي النون وقد ترك قراءة العلوم وأقبل على قراءة القرآن ولزم داره والانقباض عن الناس فلقيت منه رجلا عاقلا جميل الذكر والمذهب حسن السيرة نظيف الثياب ذا كتب جليلة في أنواع الفلسفة وضروب الحكمة وتبينت منه أنه قرأ الهندسة وفهمها وقرأ المنطق وضبط كثيرا منه ثم أعرض عن ذلك وتشاغل بكتب جالينوس وجمعها وتناولها بتصحيحه
(٤٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»