عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٣٩
وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على القراءة فأجروا ذكري بين يديه وسألوه إحضاري فحضرت وشاركتهم في مداواته وتوسمت بخدمته فسألته يوما الإذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب فأذن لي فدخلت دارا ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض في بيت منها كتب العربية والشعر وفي آخر الفقه وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد فطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت ما احتجب إليه منها ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل ولا رأيته أيضا من بعد فقرأت تلك الكتب وظفرت بفوائدها وعرفت مرتبة كل رجل في علمه فلما بلغت ثماني عشرة سنة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها وكنت إذ ذاك للعلم احفظ ولكنه اليوم معي انضج وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي بعده شيء وكان في جواري رجل يقال له أبو الحسين العروضي فسألني أن أصنف له كتابا جامعا في هذا العلم فصنفت له المجموع وسميته به وأتيت فيه على سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة من عمري وكان في جواري أيضا رجل يقال له أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد في الفقه والتفسير والزهد مائل إلى هذه العلوم فسألني شرح الكتب له فصنفت له كتاب الحاصل والمحصول في قريب من عشرين مجلدة وصنفت له في الأخلاق كتابا سميته كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إلا عنده فلم يعر أحدا ينسخ منهما ثم مات والدي وتصرفت بي الأحوال وتقلدت شيئا من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخاري والانتقال إلى كركانج وكان أبو الحسين السهلي المحب لهذه العلوم بها وزيرا وقدمت إلى الأمير بها وهو علي بن مأمون وكنت على زي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وتحت الحنك واثبتوا لي مشاهرة دارة بكفاية مثلي ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ومنها إلى باورد ومنها إلى طوس ومنها إلى شقان ومنها إلى سمنيقان ومنها إلى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إلى جرجان وكان قصدي الأمير قابوس فاتفق في أثناء هذا أخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع وموته هناك ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضا صعبا وعدت إلى جرجان فاتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل (لما عظمت فليس مصر واسعي * لما غلا ثمني عدمت المشتري) الكامل
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»