عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٣٦
كان قد لحق هذا وهو شيخ كبير وكان يحضر مجلسه ويلازم دروسه وانتفع به في صناعة الطب ولأبي منصور الحسن بن نوح القمري من الكتب كتاب غنى ومنى وهو كناش حسن وقد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل ما يكون ولخص فيه جملا من أقوال المتعينين في صناعة الطب وخصوصا ما ذكره الرازي متفرقا في كتبه كتاب علل العلل أبو سهل المسيحي هو أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الجرجاني طبيب فاضل بارع في صناعة الطب علمها وعملها فصيح العبارة جيد التصنيف وكان حسن الخط متقنا للعربية وقد رأيت بخطه كتابه في أظهار حكمة الله تعالى في خلق الإنسان وهو في نهاية الصحة والإتقان والإعراب والضبط وهذا الكتاب من أجل كتبه وأنفعها فإنه قد أتى فيه بجمل ما ذكره جالينوس وغيره في منافع الأعضاء بأفصح عبارة وأوضحها مع زيادات نفيسة من قبله تدل على فضل باهر وعلم غزير ولذلك يقول في أول كتابه هذا وليس يعرف فضيلة ما أوردناه على ما أوردوا إلا من قابل بين كلامنا هذا وكلامهم مع دراية وإنصاف منه فإن من لا يدري ما يعتبره لم يصلح للحكم فيه ومن لا إنصاف فيه لم يحكم للأفضل ولم يؤثره فمن اعتبر من يصلح للاعتبار وهو العالم المنصف بعناية واستقصاء منه ما أوردناه وما أوردوا رأى كيف صححنا ما أوردوه وهذبناه وأتممناه وسهلناه ورتبناه ترتيبا أفضل لجملة الكلام ولكل فصل منه وأسقطنا من هذا الصنف من العلم ما ليس منه ثم كم زدنا من عندنا معاني دقيقة عجيبة كانت قد خفيت عليهم للطفها وجلالة رتبتها وكيف جعلنا البيانات من الأشياء المتقدمة على الأشياء المتأخرة بالعكس مما فعلوه ليكون بيانا للشيء بمباديه وأسبابه فيكون برهانا حقيقيا وسمعت من الشيخ الإمام الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي رحمه الله وهو يقول أنني لم أجد أحدا من الأطباء النصارى المتقدمين والمتأخرين أفصح عبارة ولا أجود لفظا ولا أحسن معنى من كلام أبي سهل المسيحي وقيل إن المسيحي هو معلم الشيخ الرئيس صناعة الطب وإن كان الشيخ الرئيس بعد ذلك تميز في صناعة الطب ومهر فيها وفي العلوم الحكمية حتى صنف كتبا للمسيحي وجعلها باسمه وقال عبيد الله بن جبرئيل إن المسيحي كان بخراسان وكان متقدما عند سلطانها وأنه مات وله من العمر أربعون سنة ومن كلام المسيحي قال نومة بالنهار بعد أكلة خير من شربة دواء نافع ولأبي سهل المسيحي من الكتب كتاب المائة في الطب وهو من أجود كتبه وأشهرها ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية عليه قال يجب أن يعتمد على هذا الكتاب فإنه كثير التحقيق قليل التكرار
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»