عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٤٤
بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وقدم الشمع فأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأمرنا بتناول الشراب وابتدأ هو بجواب تلك المسائل وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم فأمر بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له استعجلت في الأجوبة عنها لئلا يتعوق الركابي فلما حملته إليه تعجب كل العجب وصرف الفيج وأعلمهم بهذه الحالة وصار هذا الحديث تاريخا بين الناس ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إليها وصنف فيها رسالة وبقيت أنا ثماني سنين مشغولا بالرصد وكان غرضي تبين ما يحكيه بطليموس عن قصته في الأرصاد فتبين لي بعضها وصنف الشيخ كتاب الأنصاف واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود إلى أصفهان نهب عسكره رحل الشيخ وكان الكتاب في جملته وما وقف له على أثر وكان الشيخ قوي القوى كلها وكانت قوة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب وكان كثيرا ما يشتغل به فأثر في مزاجه وكان الشيخ يعتمد على قوة مزاجه حتى صار أمره في السنة التي حارب فيها علاء الدولة تاش فراش على باب الكرخ إلى أن أخذ الشيخ قولنج ولحرصه على برئه إشفاقا من هزيمة يدفع إليها ولا يتأتى له المسير فيها مع المرض حقن نفسه في يوم واحد ثمان كرات فتقرح بعض أمعائه وظهر به سحج وأحوج إلى المسير مع علاء الدولة فأسرعوا نحو ايذج فظهر به هناك الصرع الذي يتبع علة القولنج ومع ذلك كان يدبر نفسه ويحقن نفسه لأجل السحج ولبقية القولنج فأمر يوما باتخاذ دانقين من بزر الكرفس في جملة ما يحتقن به وخلطه بها طلبا لكسر الرياح فقصد بعض الأطباء الذي كان يتقدم هواليه بمعالجته وطرح من بزر الكرفس خمسة دراهم لست أدري أعمد فعله أم خطأ لأنني لم أكن معه فازداد السحج به من حدة ذلك البزر وكان يتناول المثرود بطوس لأجل الصرع فقام بعض غلمانه وطرح شيئا كثيرا من الأفيون فيه وناوله فأكله وكان سبب ذلك خيانتهم في مال كثير من خزانته فتمنوا هلاكه ليأمنوا عاقبة أعمالهم ونقل الشيخ كما هو إلى أصفهان فاشتغل بتدبير نفسه وكان من الضعف بحيث لا يقدر على القيام فلم يزل يعالج نفسه حتى قدر على المشي وحضر مجلس علاء الدولة لكنه مع ذلك لا يتحفظ ويكثر التخليط في أمر المجامعة ولم يبرأ من العلة كل البرء فكان ينتكس ويبرأ كل وقت ثم قصد علاء الدولة همدان فسار معه الشيخ فعاودته في الطريق تلك العلة إلى أن وصل إلى همدان وعلم أن قوته قد سقطت وأنها لا تفي بدفع المرض فأهمل مداواة نفسه وأخذ يقول المدبر الذي كان يدبر بدني قد عجز عن التدبير والآن فلا تنفع المعالجة وبقي على هذا أياما ثم انتقل إلى جوار ربه
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»