عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٣
وقال قوم ألهمها الله تعالى بالتجربة ثم زاد الأمر في ذلك وقوي واحتجوا أن امرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم مبتلاة بالغنظ والدرد ومع ذلك فكانت ضعيفة المعدة وصدرها مملوء أخلاطا رديئة وكان حيضها محتبسا فاتفق لها أن أكلت الراسن مرارا كثيرة بشهوة منها له فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها وجميع من كان به شيء مما كان بها لما استعمله برأ به فاستعمل الناس التجربة على سائر الأشياء والذين قالوا أن الله تعالى خلق صناعة الطب احتجوا في ذلك بأنه لا يمكن في هذا العلم الجليل أن يستخرجه عقل إنسان وهذا الرأي هو رأي جالينوس وهذا نص ما ذكره في تفسيره لكتاب الإيمان لابقراط قال وأما نحن فالأصوب عندنا والأولى أن نقول أن الله تبارك وتعالى خلق صناعة الطب وألهمها الناس وذلك أنه لا يمكن في مثل هذا العلم الجليل أن يدركه عقل الإنسان لكن الله تبارك وتعالى هو الخالق الذي هو بالحقيقة فقط يمكنه خلقه وذلك إنا لا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله تبارك وتعالى ووجدت في كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران الذي وسمه ببستان الأطباء وروضة الألباء كلاما نقله عن أبي جابر المغربي وهو هذا قال سبب وجود هذه الصناعة وحي وإلهام والدليل على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس إما لأن تفيدهم الصحة عند المرض وأما لأن تحفظ الصحة عليهم وممتنع أن تعني الصناعة بالأشخاص بذاتها دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه الأشخاص التي خصت العناية بها ومن البين أن الأشخاص ذوات مبدأ لوقوعها تحت العدد وكل معدود فأوله واحد تكثر ولا يجوز أن تكون أشخاص الناس إلى ما لا نهاية له لأن خروج ما لا نهاية له إلى الفعل محال قال ابن المطران ليس كل ما لا يقدر على حصره فلا نهاية له بل قد تكون له نهاية يضعف عن حصرها قال أبو جابر وإذا كانت الأشخاص التي لا تقوم هذه الصناعة إلا بها ذوات مبدأ ضرورة فالصناعة ذات مبدأ ضرورة ومن البين أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم ومن البين أيضا أنه لا يأتي من أول شخص وجد علم هذه الصناعة استنباطا لقصر عمره وطول الصناعة ولا يجوز أن يجتمعوا في مبدأ الكثرة على استنباطها من أجل أن الصناعة متقنة محكمة وكل أمر متقن لا يستنبط بالاختلاف بل بالاتفاق والأشخاص التي
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»