عسرا جدا إلا أن الإنسان العاقل إذا فكر في ذلك بحسب معقوله فإنه يجد صناعة الطب لا يبعد أن تكون أوائلها قد تحصلت من هذه الأشياء التي قد تقدمت أو من أكثرها وذلك إنا نقول أن صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة بهم حيث وجدوا ومتى وجدوا إلا أنها قد تختلف عندهم بحسب المواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز فتكون الحاجة إليها أمس عند قوم دون قوم وذلك أنه لما كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثيرا أمراض ما لأهل تلك الناحية وخصوصا كلما كانوا أكثر تنوعا في الأغذية وهم أدوم أكلا للفواكه فإن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض وربما لم يفلت منهم أحد في سائر أوقاته من مرض يعتريه فيكون أمثال هؤلاء مضطرين إلى الصناعة الطبية أكثر من غيرهم ممن هم في نواحي أصح هواء وأغذيتهم أقل تنوعا وهم مع ذلك قليلو الاغتذاء بما عندهم ثم أن الناس أيضا لما كانوا متفاضلين في قوة التمييز النطقي كان أتمهم تمييزا وأقواهم حنكة وأفضلهم رأيا أدرك وأحفظ لما يمر بهم من الأمور التجريبية وغيرها لمقابلة الأمراض بما يعالجها به من الأدوية دون غيره فإذا اتفق في بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض لهم الأمراض كثيرا وكان فيهم جماعة عدة بمثابة من أشرنا إليه أولا فإنهم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم وبما عندهم من الأمور التجريبية وغيرها على سبيل المداواة فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثيرة من صناعة الطب ولنذكر حينئذ أقساما في مبدئية هذه الصناعة بقدر الممكن فنقول القسم الأول أن أحد الأقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيء منها عن الأنبياء والأصفياء عليهم السلام بما خصهم الله تعالى به من التأييد الإلهي روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (كان سليمان بن داود عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بن يديه فيسألها ما اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت) وقال قوم من اليهود إن الله عز وجل أنزل على موسى عليه السلام سفر الأشفية والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهانهم وصلحائهم بعض بالرؤيا
(١٧)