عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٨٦
وكان يعقوب بن إسحاق الكندي عظيم المنزلة عند المأمون والمعتصم وعند ابنه أحمد وله مصنفات جليلة ورسائل كثيرة جدا في جميع العلوم وقال سليمان بن حسان أن يعقوب بن إسحاق الكندي شريف الأصل بصري كان جده ولي الولايات لبني هاشم ونزل البصرة وضيعته هنالك وانتقل إلى بغداد وهناك تأدب وكان عالما بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم ولم يكن في الإسلام فيلسوف غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطوطاليس وله تواليف كثيرة في فنون من العلم وخدم الملوك فباشرهم بالأدب وترجم من كتب الفلسفة الكثير وأوضح منها المشكل ولخص المستصعب وبسط العويص وقال أبو معشر في كتاب المذكرات لشاذان حذاق التراجمة في الإسلام أربعة حنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق الكندي وثابت بن قرة الحراني وعمر بن الفرخان الطبري وقال ابن النديم البغدادي الكاتب المعروف بابن أبي يعقوب في كتاب الفهرست كان أبو معشر وهو جعفر بن محمد البلخي من أصحاب الحديث أولا ومنزله في الجانب الغربي بباب خراسان ببغداد يضاغن الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي بنظره في هذا العلم لأنه من جنس علوم الكندي ويقال إنه تعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره وكان فاضلا حسن الإصابة وضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شيء خبره بكونه قبل وقته فكان يقول أصبت فعوقبت وكان مولده بواسط يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة وتوفي أبو معشر وقد جاوز المائة سنة وقال أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم في كتاب حسن العقبى حدثني أبو كامل شجاع ابن أسلم الحاسب قال كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة فأشخصا سند بن علي إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة سميت الكندية ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغاني الذي عمل المقياس الجديد بمصر وكانت معرفته أوفى من توفيقه لأنه ما تم له عمل قط فغلط في فوهة النهر المعروف بالجعفري وجعلها أخفض من سائره فصار ما يغمر الفوهة لا يغمر سائر النهر فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره واقتضاهما المتوكل فسعى بهما إليه فيه فأنفذ مستحثا في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة فدعا المتوكل
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»