أهل الحيرة وأهل جندي سابور خاصة ومتطببوها ينحرفون عن أهل الحيرة ويكرهون أن يدخل في صناعتهم أبناء التجار فسأله حنين في بعض الأيام عن بعض ما كان يقرأ عليه مسألة مستفهم لما يقرأ فحرد يوحنا وقال ما لأهل الحيرة ولتعلم صناعة الطب صر إلى فلان قرابتك حتى يهب لك خمسين درهما تشتري منها قفافا صغارا بدرهم وزرنيخا بثلاثة دراهم واشتر بالباقي قلوسا كوفية وقادسية وزرنخ القادسية في تلك القفاف واقعد على الطريق وصح القلوس الجياد للصدقة والنفقة ربع القلوس فإنه أعود عليك من هذه الصناعة ثم أمر به فأخرج من داره فخرج حنين باكيا مكروبا وغاب عنا حنين فلم نره سنتين وكان للرشيد جارية رومية يقال لها خرشى وكانت ذات قدر عنده محلها منه محل الخوازن وكانت لها أخت أو بنت أخت ربما أتت الرشيد بالكسوة أو بالشيء مما خرشى خازنة عليه فافتقدها الرشيد في بعض الأوقات وسأل خرشي عنها فأعلمته انها زوجتها من قرابة لها فغضب من ذلك وقال كيف أقدمت على تزويج قرابة لك أصل ابتياعك إياها من مالي فهي مال من مالي بغير أذني وأمر سلاما الأبرش بتعرف أمر من تزوجها وبتأديبه فتعرف سلام الخبر حتى وقع على الزوج فلم يكلمه حين ظفر به حتى خصاه فبلي بالخصاء بعد أن علقت الجارية منه وولدت الجارية عند مخرج الرشيد إلى طوس وكانت وفاة الرشيد بعد ذلك فتبنت خرشى ذلك الغلام وأدبته بآداب الروم وقراءة كتبهم فتعلم اللسان اليوناني علما كانت له فيه رياسة وهو إسحق المعروف بابن الخصي فكنا نجتمع في مجالس أهل الأدب كثيرا فوجب لذلك حقه وذمامه واعتل إسحق ابن الخصي علة فأتيته عائدا فإني لفي منزلة إذ بصرت بإنسان له شعرة قد جللته وقد ستر وجهه عني ببعضها وهو يتردد وينشد شعرا بالرومية لأوميرس رئيس شعراء الروم فشبهت نغمته بنغمة حنين وكان العهد بحنين قبل ذلك الوقت بأكثر من سنتين فقلت لإسحاق بن الخصي هذا حنين فأنكر ذلك إنكارا يشبه الإقرار فهتفت بحنين فاستجاب لي وقال ذكر ابن رسالة الفاعلة أنه من المحال أن يتعلم الطب عبادي وهو بريء من دين النصرانية أنه رضي أن يتعلم الطب حتى يحكم اللسان اليوناني إحكاما لا يكون في دهره من يحكمه أحكامه وما أطلع علي أحد غير أخي هذا ولو علمت أنك تفهمني لاستترت عنك لكني عملت على أن حيلتي قد تغيرت في عينك وأنا أسألك أن تستر أمري فبقيت أكثر من ثلاث سنين وإني لأظنها أربعا لم أره ثم إني دخلت يوما على جبرائيل بن بختيشوع وقد انحدر من معسكر المأمون قبل وفاته بمدة يسيرة فوجدت عنده حنينا وقد ترجم له أقساما قسمها بعض الروم في كتاب من كتب جالينوس
(٢٥٨)