عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٦٩
فجاءني بعض الخدم وقال لي أنه جرى في أمرك العيش كذا وكذا فسألت الله عز وجل التفضل بما لم تزل أياديه إلي بإمثاله مع ما أنا فيه من كثرة الاهتمام وشغل القلب مما أخاف نزوله بي في غد بغير جرم أستوجبه ولا جناية جنيتها بل بحيلة من احتال علي وطاعتي من أغتالني وقلت اللهم أنك عالم براءتي فأنت أولى بنصرتي وطال بي الفكر إلى أن حملني النوم فإذا بهاتف يحركني ويقول لي قم فاحمد الله وأثن عليه فقد خلصك من أيدي أعدائك وجعل عافية أمير المؤمنين على يديك فطب نفسا فانتبهت مرعوبا ثم قلت كلما كثر ذكره في اليقظة لم تنكر رؤيته عند النوم فلم أزل أحمد الله وأثني عليه إلى أن جاء وجه الصبح فجاءني الخادم ففتح علي الباب ولم يكن وقته الذي كان يجيئني فيه فقلت هذا وقت منكر جاءني ما وعدت به البارحة وقد جاء وقت رضاء أعدائي وشماتتهم بي واستعنت بالله فما جلس الخادم إلا هنيهة إذ جاء غلامه ومعه مزين ثم قال تقدم يا مبارك ليؤخذ من شعرك فتقدمت فأخذ من شعري ثم مضى بي إلى الحمام فأمر بغسلي وتنظيفي والقيام علي بالطيب كما أمره مولاي أمير المؤمنين ثم خرجت من الحمام فطرح علي ثيابا فاخرة وردني إلى مقصورته إلى أن حضر سائر الأطباء عند أمير المؤمنين وأخذ كل واحد منهم موضعه فدعاني أمير المؤمنين وقال هاتوا حنينا فلم تشك الجماعة أنه إنما دعاني لقتلي فأدخلت إليه فنظر إلي ولم يزل يدنيني إلى أن أجلسني بين يديه وقال لي قد غفرت لك ذنبك وأجبت السائل فيك فاحمد الله على حياتك واشر علي بما ترى فقد طالت علتي فأخذت مجسته وأشرت بأخذ خيار شنبر منقى من قصبه وترنجبين لأنه شكا اعتقالا مع ما كان يوجبه الصورة من استعمال هذا الدواء فقال الأطباء الأعداء نعوذ بالله يا أمير المؤمنين من استعمال هذا الدواء إذ كان له غائلة ردية فقال لهم أمسكوا فقد أمرت أن آخذ ما يصفه لي ثم إنه أمر بإصلاحه فأصلح وأخذه لوقته ثم قال لي يا حنين اجعلني من كل ما فعلته بك في حل فشفيعك إلي قوي فقلت له مولاي أمير المؤمنين في حل من دمي فكيف وقد من علي بالحياة ثم قال تسمع الجماعة ما أقوله فنصتوا إليه فقال اعلموا أنكم انصرفتم البارحة مساء على أني أبكر أقتل حنينا كما ضمنت لكم فلم أزل أقلق إلى نصف من الليل متوجعا فلما كان ذلك الوقت أغفيت فرأيت كأني جالس في موضع ضيق وأنتم معشر الأطباء بعيدون عني بعدا كثيرا مع سائر خدمي وحاشيتي وأنا أقول لكم ويحكم ما تنظرون إلي في أي موضع أنا هذا يصلح لمثلي وأنتم سكوت لا تجيبوني عما أخاطبكم به فإذا أنا كذلك حتى أشرق علي في ذلك الموضع ضياء عظيم مهول حتى رعبت منه وإذا أنا برجل قد وافى جميل الوجه ومعه آخر خلفه عليه ثياب حسنة فقال السلام عليك فرددت عليه فقال لي تعرفني فقلت لا فقال أنا المسيح فقلقت وتزعزعت وقلت من هذا الذي معك فقال حنين بن إسحاق فقلت أعذرني فلست أقدر أن أقوم أصافحك فقال اعف عن حنين وأغفر ذنبه فقد غفر الله له وأقبل ما يشير به عليك فإنك تبرأ من علتك فانتبهت وأنا مغموم بما جرى على حنين مني ومفكر في قوة شفيعه إلي وأن حقه الآن علي
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»