عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٦١
وقال عبيد الله بن جبرائيل بن بختيشوع في مناقب الأطباء أن حنينا لما قوي أمره وانتشر ذكره بين الأطباء واتصل خبره بالخليفة أمر بإحضاره فلما حضر اقطع إقطاعات حسنة وقرر له جار جيد وكان يشعره بزبور الروم وكان الخليفة يسمع بعلمه ولا يأخذ بقوله دواء يصفه حتى يشاور فيه غيره وأحب امتحانه حتى يزول ما في نفسه عليه ظنا منه أن ملك الروم ربما كان عمل شيئا من الحيلة به فاستدعاه يوما وأمر بأن يخلع عليه وأحضر توقيعا فيه إقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر له حنين هذا الفعل ثم قال بعد أشياء جرت أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوا نريد قتله ولم يمكن إشهاره ونريده سرا فقال حنين يا أمير المؤمنين إني لم أتعلم إلا الأدوية النافعة وما علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت ذلك فقال هذا شيء يطول ورغبه وهدده وهو لا يزيد على ما قاله إلى أن أمر بحبسه في بعض القلاع ووكل به من يوصل خبره إليه وقتا بوقت ويوما بيوم فمكث سنة في حبسه دأبه النقل والتفسير والتصنيف وهو غير مكترث بما هو فيه فلما كان بعد سنة أمر الخليفة بإحضاره وإحضار أموال يرغبه فيها وأحضر سيفا ونطعا وسائر آلات العقوبات فلما حضر قال هذا شيء قد كان ولا بد مما قلته لك فإن أنت فعلت فقد فزت بهذا المال وكان لك عندي أضعافه وأن امتنعت قابلتك بشر مقابلة وقتلتك شر قتلة فقال حنين قد قلت لأمير المؤمنين إني لم أحسن إلا الشيء النافع ولم أتعلم غيره فقال الخليفة فإني أقتلك قال حنين لي رب يأخذ بحقي غدا في الموقف الأعظم فإن اختار أمير المؤمنين أن يظلم نفسه فليفعل فتبسم الخليفة وقال له يا حنين طب نفسا وثق إلينا فهذا الفعل كان منا لامتحانك لأنا حذرنا من كيد الملوك وإعجابنا لننتفع بعلمك فقبل حنين الأرض وشكر له فقال له الخليفة يا حنين ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق عزيمتنا في الحالين فقال حنين شيئان يا أمير المؤمنين قال وما هما قال الدين والصناعة قال فكيف قال الدين يأمرنا بفعل الخير والجميل مع أعدائنا فكيف أصحابنا وأصدقائنا ويبعد ويحرم من لم يكن كذا والصناعة تمنعنا من الإضرار بأبناء الجنس لأنها موضوعة لنفعهم ومقصورة على مصالحهم ومع هذا فقد جعل الله في رقاب الأطباء عهدا مؤكدا بأيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالا ولا ما يؤذي فلم أر أن أخالف هذين الأمرين من الشريعتين ووطنت نفسي على القتل فإن الله ما كان يضيع من بذل نفسه في طاعته وكان يثيبني فقال الخليفة إنهما لشريعتان جليلتان وأمر بالخلع فخلعت عليه وحمل المال بين يديه وخرج من عنده وهو أحسن الناس حالا وجاها أقول وكان لحنين ولدان داؤد وإسحق وصنف لهما كتبا طبية في المبادي والتعليم ونقل لهما كتبا كثيرة من كتب جالينوس فأما داؤد فإني لم أجد له شهرة بنفسه بين الأطباء ولا يوجد له من الكتب ما يدل على براعته وعلمه وإن كان الذي يوجد له إنما هو كناش واحد وما إسحق فإنه اشتهر وتميز في صناعة الطب وله تصانيف كثيرة ونقل إسحق من الكتب
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»