عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٥١
قال يوسف واعتل محمد بن سليمان بن الهادي المعروف بابن مشغوف علة تطاولت به وكان أبو العباس بن الرشيد يلزم يوحنا تعاهده وكان محمد ابن سليمان ربما يزيد في الحديث أشياء لا يخيل باطلها على سامعها فدخل إليه يوما وأنا عنده فاستشاره فيما يأخذ فقال يوحنا قد كنت أشير عليك بما تأخذ في كل يوم وأنا أحسبك تحب الصحة والعافية فأما إذ صح عندي أنك تكره العافية وتحب العلة فلست استحل أن أشير عليك بشيء فقال له ابن مشغوف يا جاهل من يكره العافية ويحب العلة فقال له يوحنا أنت والبرهان على ذلك أن العافية في العالم تشبه الحق والسقم يشبه الكذب وأنت تتكلم أكثر دهرك بالكذب فيكون كذبك مادة لسقمك فمتى تبرأ أنت من علة متطاولة وأنت تمدها أكثر دهرك بالكذب الزائد فيها فالزم الصدق ثلاثة أيام ولا تكذب فيها فيوحنا بريء من المسيح إن لم تخرج من هذه العلة قبل انقضاء هذه الثلاثة أيام قال يوسف بن إبراهيم وكان ليوحنا بن ماسويه ابن يقال له ماسويه أمه بنت الطيفوري جد إسرائيل متطبب الفتح بن خاقان وكان ماسويه هذا أشبه خلق الله بأبيه في خلقه ولفظه وحركاته إلا أنه كان بليدا لا يكاد يفهم شيئا إلا بعد مدة طويلة ثم ينسى ذلك في أسرع من اللحظ فكان يوحنا يظهر محبة ابنه تقية من ألسنة الطيفوري وولده وكان أشد بغضا له منه أسهل الكوسج الذي هتكه بإدعائه أنه وضعه في فرج أمه قال يوسف واعتل في أول سنة سبع عشرة ومائتين صالح بن شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة الأسدي علة أشرف منها فأتيته عائدا فوجدته قد أفرق بعض الأفراق فدارت بيننا أحاديث كان منها أن عميرة جده أصيب بأخ له من أبويه ولم يخلف ولدا فعظمت عليه المصيبة ثم ظهر حبل بجارية كانت له بعد وفاته فسري عنه بعض ما دخله من الغم وحولها إلى بيته وقدمها على حرم نفسه فوضعت ابنة فتبنى بها وقدمها على ذكور ولده وإناثهم فلما ترعرعت رغب لها في كفء يزوجها منه فكان لا يخطبها إليه خاطب إلا فرغ نفسه للتفتيش عن حسبه والتفتيش عن أخلاقه فكان بعض من نزع إليه خاطبا لها ابن عم لخالد بن صفوان بن الأهتم التميمي وكان عميرة عارفا بوجه الفتى وبنسبه فقال يا بني أما نسبك فلست أحتاج إلى التفتيش عنه وأنك لكفء بابنة أخي من جهة الشرف ولكنه لا سبيل إلى عقد عقدة النكاح على ابنتي دون معرفتي بأخلاق من أعقد العقدة له فإن سهل عليك المقام عندي وفي داري سنة أكشف فيها أخلاقك كما أكشف أحساب وأخلاق غيرك فأقم في الرحب والسعة وأن لم يسهل ذلك عليك فانصرف إلى أهلك فقد أمرنا بتجهيزك وحمل جميع ما تحتاج إليه معك إلى موافاتك بصرتك قال صالح بن شيخ حدثني أبي عن جدي أنه كان لا يبيت ليلة إلا أتاه عن ذلك الرجل أخلاق متناقضة فواصف له بأحسن الأمور وواصف له بأسمجها فأضطره تناقض أخباره إلى التكذيب بكلها وأن يترك الأمر على أن مادحه مايله وأن عائبه تحامل عليه
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»