عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٨٧
ليحيى بن خالد هؤلاء الأطباء ليس يحسنون شيئا فقال له يحيى يا أمير المؤمنين أبو قريش طبيب والدك ووالدتك فقال ليس هو بصيرا بالطب وإنما كرامتي له لقديم حرمته فينبغي أن تطلب لي طبيبا ماهرا فقال له يحيى بن خالد إنه لما مرض أخوك موسى أرسل والدك إلى جندي سابور حتى أحضر رجلا يعرف ببختيشوع قال له فكيف تركه يمضي فقال لما رأى عيسى أبا قريش ووالدتك يحسدانه أذن له في الانصراف إلى بلده فقال له أرسل بالبريد حتى يحملوه إن كان حيا ولما كان بعد مدة مديدة وافى بختيشوع الكبير ابن جورجس ووصل إلى هارون الرشيد ودعا له بالعربية وبالفارسية فضحك الخليفة وقال ليحيى بن خالد أنت منطقي فتكلم معه حتى اسمع كلامه فقال له يحيى بل ندعو بالأطباء فدعى بهم وهم أبو قريش عيسى وعبد الله الطيفوري وداود بن سرابيون وسرجس فلما رأوا بختيشوع قال أبو قريش يا أمير المؤمنين ليس في الجماعة من يقدر على الكلام مع هذا لأنه كون الكلام هو وأبوه وجنسه فلاسفة فقال الرشيد لبعض الخدم أحضره ماء دابة حتى نجربه فمضى الخادم وأحضره قارورة الماء فلما رآه قال يا أمير المؤمنين ليس هذا بول إنسان قال له أبو قريش كذبت هذا ماء حظية الخليفة فقال له بختيشوع لك أقول أيها الشيخ الكريم لم يبل هذا إنسان البتة وإن كان الأمر على ما قلت فلعلها صارت بهيمة فقال له الخليفة من أين علمت أنه ليس ببول إنسان قال له بختيشوع لأنه ليس له قوام بول الناس ولا لونه ولا ريحه قال له الخليفة بين يدي من قرأت قال له قدام أبي جورجس قرأت قال له الأطباء أبوه كان اسمه جورجس ولم يكن مثله في زمانه وكان يكرمه أبو جعفر المنصور إكراما شديدا ثم التفت الخليفة إلى بختيشوع فقال له ما ترى أن نطعم صاحب هذا الماء فقال شعيرا جيدا فضحك الرشيد ضحكا شديدا وأمر فخلع عليه خلعة حسنة جليلة ووهب له مالا وافرا وقال بختيشوع يكون رئيس الأطباء كلهم وله يسمعون ويطيعون ولبختيشوع بن جورجس من الكتب كناش مختصر كتاب التذكرة ألفه لابنه جبرائيل جبرائيل بن بختيشوع بن جورجس كان مشهورا بالفضل جيد التصرف في المداواة عالي الهمة سعيد الجد حظيا عند الخلفاء رفيع المنزلة عندهم كثيري الإحسان إليه وحصل من جهتهم من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»