عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٨٥
البيعة فأمر الخليفة خادمه سالما أن يختار من الجواري الروميات الحسان ثلاثا ويحملهن إلى جورجس مع ثلاثة آلاف دينار ففعل ذلك ولما انصرف جورجس إلى منزله عرفه عيسى بن شهلا بما جرى وأراه الجواري فأنكر أمورهن وقال لعيسى تلميذه يا تلميذ الشيطان لم أدخلت هؤلاء منزلي امض ردهن إلى صاحبهن ثم ركب جورجس وعيسى ومعه الجواري إلى دار الخليفة وردهن على الخادم فلما اتصل الخبر بالمنصور أحضره وقال له لم رددت الجواري قال له هؤلاء لا يكونون معي في بيت واحد لأنا نحن معشر النصارى لا نتزوج بأكثر من امرأة واحدة وما دامت المرأة في الحياة لا نأخذ غيرها فحسن موقعه من الخليفة وأمر في وقته أن يدخل جورجس إلى حظاياه وحرمه ويخدمهن وزاد موضعه في عينه وعظم محله قال فثيون ولما كان في سنة مائة واثنتين وخمسين سنة مرض جورجس مرضا صعبا وكان الخليفة يرسل إليه في كل يوم الخدم حتى يعرف خبره ولما اشتد مرض جورجس أمر به الخليفة فحمل على سرير إلى دار العامة وخرج إليه الخليفة ماشيا وراءه وسأله عن خبره فبكى جورجس بكاء شديدا وقال له إن رأى أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يأذن لي في المصير إلى بلدي لأنظر إلى أهلي وولدي وإن مت قبرت مع آبائي فقال الخليفة يا جورجس اتق الله وأسلم وأنا أضمن لك الجنة قال جورجس أنا على دين آبائي أموت وحيث يكون آبائي أحب أن أكون إما في الجنة أو في جهنم فضحك الخليفة من قوله وقال له وجدت راحة عظيمة في جسمي منذ رأيتك وإلى هذه الغاية وقد تخلصت من الأمراض التي كانت تلحقني قال له جورجس إني أخلف بين يديك عيسى وهو تربيتي فأمر الخليفة أن يخرج جورجس إلى بلده وأن يدفع إليه عشرة آلاف دينار وانفذ معه خادما وقال إن مات في طريقه فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما آثر فوصل إلى بلده حيا وحصل عيسى بي شهلا في الخدمة وبسط يده على المطارنة والأساقفة يأخذ أموالهم لنفسه حتى إنه كتب إلى مطران نصيبين كتابا يلتمس منه فيه من آلات البيعة أشياء جليلة المقدار ويتهدده متى أخرها عنه وقال في كتابه إلى المطران ألست تعلم أن أمر الملك بيدي إن شئت أمرضته وإن شئت عافيته فعندما وقف المطران على الكتاب احتال في التوصل حتى وافى الربيع وشرح له صورته واقرأه الكتاب فأوصله الربيع إلى الخليفة حتى عرف شرح ما جرى فأمر بنفي عيسى بن شهلا بعد أن أخذ منه جميع ما ملكه ثم قال الخليفة للربيع سل عن جورجس فإن كان حيا فانفذ من يحضره وإن كان قد مات فاحضر ابنه فكتب الربيع إلى العامل بجندي سابور في ذلك واتفق أن جورجس سقط في تلك الأيام من السطح وضعف ضعفا فلما خاطبه أمير البلد قال له أنا أنفذ إلى الخليفة طبيبا ماهرا يخدمه إلى أن أصلح وأتوجه إليه واحضر إبراهيم تلميذه وأنفذه إلى الأمير مع كتاب شرح فيه حال جورجس إلى الربيع فلما وصل
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»