وأرضاه، وشكر سعيه وأحسن منقلبه ومثواه. فنظرت فيه فرأيته قد أجاد ما شاء، وأحسن في تصنيفه وترتيبه وما أساء، فما لواصف أن يقول: لولا أنه، ولا لمستثن أن يقول: إلا أنه. فلو قال قائل إن هذا تصنيف لم يسبق إليه لكان صادقا، ولو زعم أنه قد استقصى الأنساب لكان بالحق ناطقا. قد جمع فيه الأنساب إلى القبائل والبطون كالقرشي والهاشمي، وإلى الآباء والأجداد كالسليماني والعاصي، وإلى المذاهب في الفروع والأصول كالشافعي والحنفي والحنبلي والأشعري والشيعي والمعتزلي، وإلى الأمكنة كالبغدادي والموصلي وإلى الصناعات كالخياط والكيال والقصاب والبقال، وذكر أيضا الصفات والعيوب كالطويل والقصير والأعمش والضرير، والألقاب كجزرة وكيلجة. فجاء الكتاب في غاية الملاحة ونهاية الجودة والفصاحة، قد أتى مصنفه بما عجز عنه الأوائل ولا يدركه الأواخر: فإنه أجاد ترتيبه وتصنيفه وأحسن جمعه وتأليفه، قد لزم في وضعه ترتيب الحروف في الأبواب والأسماء على ما تراه.
فلما رأيته فردا في فنه منقطع القرين في حسنه قلت: هذا موضع المثل " أكرمت فارتبط وأمرعت فاختبط "، فحين أمعنت مطالعته وأردت كتابته رأيته قد أطال واستقصى حتى خرج عن حد الأنساب وصار بالتواريخ أشبه ومع ذلك ففيه أوهام قد نبهت على ما انتهت إليه معرفتي منها، وهي في مواضعها. فشرعت حينئذ في اختصار الكتاب والتنبيه على ما فيه من غلط وسهو. فلا يظن ظان أن ذلك نقص في الكتاب أو في المصنف، كلا والله، وإنما السيد من عدت سقطاته وأخذت غلطاته، فهي الدنيا لا يكمل فيها شئ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه "، ليس المعنى بوضعه إعدامه وإتلافه إنما هو نقص يوجد فيه، وسياق الحديث يدل عليه، وكيف يكمل