الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج ١٣ - الصفحة ١٨
إلى عوامل الطبيعة في القضايا، ويربط الآثار بمؤثراتها والعلل بمعلولاتها، ويتحدث عن الخصائص الاجتماعية التي لها بموضوعه أدنى علاقة، بل يصعب على مثل هذا الشاعر الفخم الذي يسلسل القصص المهمة والاحداث الرائعة ويربط أفكاره كالسلسلة أن يعتني برصف الألفاظ وزخرفة الكلمات وان يأتي بالأبيات المنظومة قريبة الشبه بعضها من بعض، لا سيما إذا علمنا أن الفردوسي نظم الشاهنامة في مدة ثلاثين سنة كما يأتي تفصيله، فهل يمكنه أن يساوي بين ما نظمه في ساعته وما نظمه قبلها بعشرين سنة، لذلك فلا غرابة إذا ما وجدنا الشاعر يعلو ويهبط في بعض المواضع، ويسمو نظمه في موضع ويكون متوسطا أو عاديا في موضع آخر، فان اختلاف المواضيع والقضايا التي يطرقها بالنظم من جهة، والحوادث الزمنية المحيطة به من جهة أخرى لها الأثر التام في هذا المقام، وان الكتاب الجامع الذي يحوي حوادث وقصص واسعة الأطراف لابد وأن يكون بعض أشعاره خيرا من بعض لذلك فإننا لا نعتبر رأي براون لما تجلى لنا من عظمة الشاعر ودرجة نبوغه، فالشعب أعرف بأدبه وشعره وخصائصه ومميزاته، وقد حاول شعراء عديدون من الفرس تقليد الفردوسي ونظموا الملاحم فلم يبلغوا شأوه ولم يظفروا بطائل.
نظم الفردوسي الشاهنامة باسم السلطان محمود سبكتكين الغرنوي ولذلك سماها بالشاهنامهء، وفي (سخن وسخنوران) انه نظمها بأمره في سنة 389 - 421 وبقي في نظمها زيادة على ثلاثين سنة. لكن هذا القول بعيد عن الصواب كما يبدو لأنها تمت في سنة 400 ه‍ كما صرح به الفردوسي نفسه بقوله:
زهجرت شده بنج هشتاد بار * كه گفتم من أين نامهء شاهوار ومعناه انه بضرب خمسة في ثمانين من الهجرة أي 400 وهذه السنة هي الثانية عشرة من سلطنة محمود، أما كونه بقي مشغولا في نظمها ثلاثين سنة فهو ثابت بنص الفردوسي أيضا، وعليه فلم يكن نظمه بأمر محمود، بل كان نظم القسم الأول منه في زمن السامانيين، والمظنون قويا أنه بدأ بنظمها مختصرة إلى سنة 384 ه‍ وفي
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»