الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج ٤ - الصفحة ٢٨٥

داود عند ترجمة أستاذه المذكور بأن أكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من إشارات هذا الأستاذ و تحقيقاته، ثم إن المتأخرين عن العلامة وابن داود كلهم ينقلون عنهما لان نسخة " الضعفاء " التي وجدها السيد ابن طاوس قد انقطع خبرها عن المتأخرين عنه، ولم يبق من الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري الا ما وزعه السيد ابن طاوس في كتابه " حل الاشكال " ولولاه لما بقى منه أثر، ولم يكن ادراجه فيه من السيد لأجل اعتباره عنده بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة، ويطلع على جميع ما قيل أو يقال في حق الرجل حقا أو باطلا ليصير مغرما؟ بالتتبع والاستلام عن حقيقة الامر فلم يدرجه السيد الا بعد الايماء إلى شأنه أولا بحسب الترتيب الذكرى فأخره عن الجميع ثم تصريحه بأنها ليست من مروياته بل وجده منسوبا إلى ابن الغضائري، فتبرأ من عهدته بصحة النسبة إليه، ولم يكتف بذلك أيضا بل أسس في أول الكتاب ضابطة كلية تفيد ومن التضعيفات التي وردت؟ في هذا الكتاب حتى لو فرض أنه كان معلوم النسبة؟ إلى مؤلفه وعنونها بقوله: - (قاعدة كلية في الجرح والتعديل لا يستغنى عنها في الباب) وحاصلها أن السكون؟ إلى قول المادح مع عدم المعارض راجح وأما السكون إلى قول الجارح ولو كان بدون معارض فهو مرجوح، واستدل على ذلك بقوله لان التهمة في الجرح شايعة ولا يحصل بإزائها في جانب المادحين فللسكون إليهم ما لم يحصل معارض راجح والسكون إلى القادحين ما لم يحصل معارض مرجوح، ومراده أن ما يوجد من القدح في " كتاب الضعفاء " لا أثر له ولا يحصل الاطمينان به على تقديري وجود - المعارض معه وعدمه اما مع وجود المعارض فيسقط بالمعارضة، ومع عدم المعارض أيضا يسقط الحاقا له بالغالب لشيوع التهمة في القدح ولا شيوع لها في المدح.
وبالجملة فكتاب " حل الاشكال " المدرج فيه " كتاب الضعفاء " كان موجودا بخط مؤلفه السيد ابن طاوس إلى سنة نيف وألف فكان أولا عند الشهيد الثاني كما ذكره في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد وبعده انتقل إلى ولده صاحب " المعالم " فاستخرج منه كتابه الموسوم ب‍؟ " التحرير الطاوسي " كما مر في (ج ٣ - ٣٨٥) ثم حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبد الله التستري (المتوفى بأصفهان سنة ١٠٢١) وكانت مخرقة مشرفة على التلف فاستخرج منها خصوص عبارات " كتاب الضعفاء " المنسوب إلى ابن الغضائري مرتبا على الحروف وذكر في أوله سبب استخراجه فقط، ثم وزع تلميذه المولى عناية الله القهپائي تمام ما استخرجه المولى عبد الله المذكور في كتابه " مجمع الرجال " المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية حتى أن خطبها بعينها ذكرت في أول هذا المجمع.
اما ابن الغضائري المنسوب إليه " كتاب الضعفاء " فليست له ترجمه مستقلة في " الفهرست " ولا في " النجاشي "، وانما المراد منه هو أبو الحسين أحمد بن أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم - الغضائري الذي كان والده الحسين بن عبيد الله (المتوفى سنة ٤١١) من أجلاء مشايخ الطوسي وأبى العباس النجاشي وأما هو فكان معاصرا لهما بل عده الشيخ في أول " الفهرس " من شيوخ الطائفة و أصحاب التصانيف، وكان مشاركا مع النجاشي في القراءة على والده الحسين بن عبيد الله كما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر، واشتركا أيضا في القراءة على أحمد بن عبد الواحد كما ذكره في ترجمة على بن الحسن بن فضال بل قد يستظهر من ترجمة على بن محمد بن شيران (المتوفى ٤١٠) انه كان أبو الحسين أحمد أيضا من مشايخ النجاشي لأنه كان يجتمع النجاشي مع ابن شيران - المذكور عند أبي الحسين أحمد بن الغضائري، والاجتماع عند العالم والحضور في مجلسه لا يكون الا للاستفادة العلمية عنه، ولعل ذلك وجه استظهار آية الله بحر العلوم (ره) في " الفوائد الرجالية " أنه كان من مشايخ النجاشي كوالده ولكنه بعبد لقصر عمره كما نذكره، وان استظهره القهپائي أيضا في " مجمع الرجال " من هذه الترجمة.
وعلى أي فقد كانت وفاته في حياة الشيخ الطوسي والنجاشي وقبل تأليف كتابيهما. لطلبهما من الله الرحمة عليه كلما يذكر انه في التراجم في كتابيهما بل ظاهر الشيخ الطوسي التأسف عليه بسبب وفاته قبل بلوغ الأربعين فإنه ذكر في أول " الفهرست " ان شيوخ الطائفة من أصحاب الحديث عملوا فهرس تصانيف الأصحاب وأصولهم لكنه لم يجد فيهم من استوفى ذلك أو ذكر أكثره الا ما عمله ابن الغضائري هذا فإنه الف كتابين أحدهما في ذكر المصنفات والآخر في الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، واخترم هو رحمه الله فعمد بعض ورثته إلى اتلاف هذين الكتابين وغيرهما من الكتب، فعبر عن وفاته بالاخترام، وفى - الحديث (من مات دون الأربعين فقد اخترم) من اخترمته المنية أي أخذته، ولعله من شدة الجزع والوجد على قصر عمره عمد بعض جهال ورثته إلى أفناء آثاره من الكتابين وغيرهما من كتبه الاخر لئلا يرى أثره بعده فتجدد أحزانه.
وبالجملة صريح كلام الشيخ أنه الف الكتابين لكن شملهما التلف مع غيرهما من كتبه، والنجاشي لم يذكر له تصنيفا غير ما نقلناه عنه في (ج ٣ - ٢٢٤) بعنوان " التاريخ "، لكن ظهر لنا بعد التأمل عدم صراحة كلامه في أن له كتاب التاريخ لاحتمال عود الضمير في (تاريخه) إلى موت البرقي بأن يكون مراده أنه (قال ابن الغضائري في تاريخ موت البرقي كذا) ثم عطف عليه قول ماجيلويه في تاريخ موته، وبعد عصر الشيخ والنجاشي لم نجد نسبة " كتاب الضعفاء " أو غيره لابن الغضائري إلى عصر السيد بن طاوس الذي وجد الكتاب المذكور وادرجه في كتابه للغرض الذي أشرنا إليه مصرحا بعدم تعهده صحة النسبة فتبين أن ابن الغضائري هذا وان كان من الاجلاء المعتمدين ومن نظراء شيخ الطائفة والنجاشي وكانا مصاحبين معه ومطلعين على آرائه وأقواله وينقلان عنه أقواله في كتابيهما الا ان نسبة كتاب " الضعفاء " هذا إليه مما لم نجد له أصلا حتى أن ناشره قد تبوأ من عهدته بصحته فيحق لنا ان ننزه ساحة ابن الغضائري عن الاقدام في تأليف هذا الكتاب والاقتحام في هتك هؤلاء المشاهير بالعفاف والتقوى والصلاح المذكورين في الكتاب والمطعونين بأنواع الجراح بل جملة من جراحاته سارية إلى المبرئين من العيوب كما في جرح هذا المفسر الاسترآبادي بأنه ضعيف كذاب أفلا يلزم من كونه كذابا والحال ان الصدوق قد أكثر من الرواية عنه وبالغ في الاعتماد عليه بجعله حجة بينه وبين ربه أحد أمرين اما تكذيب للشيخ الطوسي في توصيفه الصدوق بأنه كان بصيرا بالرجال نقادا للاخبار فيما إذا كان أخذ الصدوق عنه وشدة اعتماده عليه عن جهله بحاله من أنه كذاب إذ يظهر منه أنه ليس كما وصفه الطوسي بصيرا ونقادا، واما تكذيب لتوصيف الحجة عليه السلام إياه في التوقيع بكونه خيرا فقيها في الدين كما حكاه آية الله بحر العلوم (ره) في " الفوائد الرجالية " ان كان أخذه عنه عن عمد وعلم بحاله.
ثم انه كيف خفى على الشيخ الصدوق المتلمذ عليه والمعاشر معه كونه كذابا ولم يطلع؟ عليه ولكن اطلع عليه من ولد بعد وفاة الصدوق بسنين كثيرة وكيف لم يطلع على كذبه والد ابن الغضائري فرواه عنه بسنده مع سائر العلماء الذين ذكرهم المحقق الكركي في اجازته واطلع على كذبه ولده بعد موت أبيه كل ذلك قرائن تدلنا على أن هذا الكتاب ليس من تأليفه وانما الفه بعض المعاندين للاثني عشرية المحبين لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا وأدرج فيه بعض أقوال نسبه الشيخ والنجاشي في كتابيهما إلى ابن الغضائري ليتمكن من النسبة إلى وليروج منه ما أدرجه فيه من الأكاذيب والمفتريات ومن تلك الأكاذيب قوله بان المفسر الاسترآبادي روى هذا التفسير عن رجلين مجهولين إذ لا يبقى جهالة في الراوي بعد معرفة اسمه وكنيته ونسبه ونسبته ومذهبه ونحلته ومقره وبلدته، ومنها قوله ان المجهولين يرويانه عن أبويهما عن الامام مع صراحة الكتاب في أوله وأثنائه بعدم الواسطة، ومنها قوله أن الامام هو أبو الحسن الثالث مع التصريح في مواضع كثيرة منه بأنه أبو محمد الحسن أبو الحجة عليهما السلام، ومنها قوله ان التفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه مع أنه ليس له ولا لأبيه اسم في سند التفسير، ومنها قوله انها مشتمل على المناكير مع أنه ليس فيه الا بعض غرائب المعجزات مما لا يوجد في غيره، وما ذكرناه هو الوجه للسيرة الجارية بين الأصحاب قديما وحديثا من عدم الاعتناء بما تفرد به ابن الغضائري من الجرح فان ذلك لعدم ثبوت الجرح منه لا لعدم قبول الجرح عنه كما يسبق إلى بعض الأذهان.
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 285 286 287 288 289 290 ... » »»