كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٥١١
فيه من الدين فقد جنى على الدين وضعف امره فان هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية لا تبقى معها ريبة فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء إذا قيل له ان هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وانما يستريب في الشرع وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل وليس في الشرع ما يناقض ما قالوه ولو كان لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية فكم من ظواهر أولت بالأدلة القطعية التي لا تنتهى في الوضوح إلى هذا الحد وأعظم ما يفرح به الملحدة ان يصرح ناصر الشرع بان هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه طريق ابطال الشرع. وهذا لان البحث في العالم عن كونه حادثا أو قديما ثم إذا ثبت حدوثه فسواء كان كرة أو بسيطا أو مثمنا وسواء كانت السماوات وما تحتها ثلث عشرة طبقة كما قالوه أو أقل أو أكثر فالمقصود كونه من فعل الله سبحانه وتعالى فقط كيف ما كان. ثالث ما يتعلق النزاع فيه بأصل من أصول الدين كالقول في حدوث العالم وصفات الصانع وبيان حشر الأجساد وقد أنكروا جميع ذلك فينبغي ان يظهر فساد مذهبهم.
وذكر في الثالثة ان مقصوده تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة وظن أن مسالكهم نقية عن التناقض ببيان وجوده تهافتهم فلذلك لا يدخل في الاعتراض عليهم الا دخول مطالب منكر لا دخول مدع مثبت فيكدر عليهم ما اعتقدوه مقطوعا بالزامات مختلفة وربما ألزمهم بمذاهب الفرق.
وذكر في الرابعة ان من عظم حيلهم في الاستدراج إذا اورد عليهم اشكال قولهم إن العلوم الإلهية غامضة خفية لا يتوصل إلى معرفة الجواب هذه الاشكالات الا بتقديم الرياضيات والمنطقيات فمن يقلدهم ان خطر له اشكال يحسن الظن بهم ويقول انما يعسر على درك علومهم لانى لم احصل الرياضيات ولم احكم المنطقيات قال اما الرياضيات فلا تعلق للإلهيات بها واما الهندسيات فلا يحتاج إليها في الإلهيات نعم قولهم أم المنطقيات لابد من احكامها فهو صحيح ولكن المنطق ليس مخصوصا بهم وانما هو الأصل الذي نسميه في فن الكلام كتاب النظر فغيروا عبارته إلى المنطق تهويلا وقد نسميه كتاب الجدل وقد نسميه مدارك العقول فإذا سمع المتكايس اسم المنطق ظن أنه فن غريب لا يعرفه المتكلمون ولا يطلع عليه الا الفلاسفة.
(٥١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»