الفصل الثالث في العلم المدون وموضوعه ومباديه ومسائله وغايته واعلم أن لفظ العلم كما يطلق على ما ذكر يطلق على ما يرادفه وهو أسماء العلوم المدونة كالنحو والفقه فيطلق كأسماء العلوم تارة على المسائل المخصوصة كما يقال فلان يعلم النحو وتارة على التصديقات بتلك المسائل عن دليلها وتارة على الملكة الحاصلة من تكرر تلك التصديقات أي ملكة استحضارها وقد يطلق الملكة على التهيؤ التام وهو أن يكون عنده ما يكفيه لاستعلام ما يراد. والتحقيق ان المعنى الحقيقي للفظ العلم هو الادراك ولهذا المعنى متعلق هو المعلوم وله تابع في الحصول يكون وسيلة إليه في البقاء هو الملكة فاطلق لفظ العلم على كل منها اما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجازا مشهورا وقد يطلق على مجموع المسائل والمبادئ التصورية والمبادئ التصديقية والموضوعات ومن ذلك يقولون اجزاء العلوم ثلاثة. وقد يطلق أسماء العلوم على مفهوم كلي اجمالي يفصل في تعريفه فان فصل نفسه كان حدا اسميا وان بين لازمه كان رسما اسميا. واما حده الحقيقي فإنما هو بتصور مسائله أو بتصور التصديقات المتعلقة بها فان حقيقة كل علم مسائل ذلك العلم أو التصديقات بها واما المبادى وانية الموضوعات فإنما عدت جزأ منها لشدة احتياجها إليها. وفى تحقيق ما ذكرنا بيانات ثلاثة.
البيان الأول في بحث الموضوع واعلم أن السعادة الانسانية لما كانت منوطة بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقدر الطاقة البشرية وكانت الحقائق وأحوالها متكثرة متنوعة تصدى الأوائل لضبطها وتسهيل تعليمها فافردوا الأحوال الذاتية المتعلقة بشئ واحد أو بأشياء متناسبة ودونوها على حدة وعدوها علما واحدا وسموا ذلك الشئ أو الأشياء موضوعا لذلك العلم لان موضوعات مسائله راجعة إليه. فموضوع العلم ما ينحل. إليه موضوعات مسائله وهو المراد لهم في تعريفه بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية فصار كل من الأحوال بسبب تشاركها في الموضوع علما منفردا ممتازا بنفسه عن طائفة متشاركة في موضوع آخر فتمايزت