مبحث الرواية والرواة ان الله تعالى ابتعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وأنزل عليه القرآن الكريم تبيانا لكل شئ، قال سبحانه في محكم التنزيل (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل 44، وقال سبحانه (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) النحل 64.
1 - فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل أمره، وعن كتاب الله معاني ما خوطب به الناس وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، ولم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل.
2 - والسبيل لمعرفة معاني كتاب الله تعالى يكون بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه النجباء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله عنهم. هذا، وإنما تعرف الآثار الصحيحة منها والسقيمة بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، وشهد لهم أهل العلم بذلك.
هذا ولا سبيل إلى معرفة شئ من معاني كتاب الله ولا من سنن رسوله عليه الصلاة والسلام إلا من جهة النقل، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم، وأهل الحفظ والتثبت والاتقان منهم - وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.
ولما كان الدين هو ما جاءنا عن الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة حق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة، والبحث عن أحوالهم، لاثبات الذين عرفوا بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة، وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم، وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ، وكثرة الغلط والسهو والاشتباه ليعرف به أدلة هذا الدين وأعلامه، وأمناء الله تعالى في أرضه على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيتمسك بالذي رووه، ويعتمد عليه، ويحكم به.