" اني أحب ان أسمعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال: " حسبك الان " فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.
وكذلك كان الصحابة همتهم ان يقرأوا القرآن ويستمعوه روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدهلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقران بالليل، وان كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ". أليس هذا الولوع بالكتاب والسنة من دواعي تثبتهم فيهما كما هو من دواعي حفظهم لهما، لان اشتهار الشئ وذيوعه ولين الألسنة به يجعله من الوضوح والطخور بحيث لا يشوبه لبس ولا يخالطه زيف، ولا يقبل فيه دخيل.
العامل الخامس:
يسر الوسائل لدى الصحابة إلى أن يتثبتوا، وسهولة الوصول عليهم إلى أن يقفوا على جلية الامر، فيما استغلق عليهم معرفته من الكتاب والسنة، وذلك لمعاصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصلون به في حياته، فيشفي صدورهم من الريبة والشك، ويريح قلوبهم بما يشع عليهم من أنوار العلم وحقائق اليقين.
اما بعد غروب شمس النبوة، وانتقاله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، فقد كان من السهل عليهم أيضا ان يتصلوا بمن سمعوا بآذانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والسامعون يومئذ عدد كثير وجم غفير، يساكنونهم في بلدهم، ويجالسونهم في نواديهم قان شك أحدهم في آية من كتاب الله تعالى، أو خبر عن رسول الله أمكنه التثبت من عشرات سواه دون عنت ولا عسر.
العامل السادس:
الشجاعة الفطرية للأصحاب، والصراحة الطبيعية لهم، حتى لقد كان الرجل منهم يقف في وسط الجمهور يرد على أمير المؤمنين وهو يلقي خطاب عرشة ردا قويا صريحا