الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٥٢
وكانت هذه الفضائل المشرقة فيه، من بواعث ايمان المنصفين من أهل الجاهلية به، ولقد اضطر ان يشهد له بها أعداؤه الألداء، كما آمن بها اتباعه الأوفياء ومما يذكر بالاعجاب والفخر لبني الاسلام انه صلى الله عليه وسلم عرض الاسلام على بني عامر بن صعصعة، وذلك قبل الهجرة، وقيل إن تقوم للدين شوكة، فقال كبيرهم: أرأيت ان نحن تابعناك على امرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الامر من بعدك، فاجابه صلى الله عليه وسلم بتلك الكلمة الحكمية الخالدة: " الامر لله يضعه حيث يشاء " فقال له كبيرهم: افتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الامر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك.
وهما تتجلى سياسة الاسلام، وانها سياسة صريحة مكشوفة، رشيدة، شريفة لا تعرف الالتواء والكذب والتضليل كما تتجلى صراحة في نبي الاسلام وصدق نبي الاسلام، وشرف نبي الاسلام، عليه الصلاة والسلام.
العامل العاشر:
سمو تربية الصحابة على فضائل الاسلام كلها، وكمال تأدبهم بآداب هذا الدين الحنيف وشدة خوفهم من الله، وصفاء نفوسهم إلى حد لا يتفق والكذب، خصوصا الكذب على الله تعالى، والتجني على أفضل الخليفة صلوات الله وسلامه عليه.
وإذا استعرضنا تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم نشاهد العجل من عظمة تأديب الاسلام لهم، وتربية إياهم تربية سامية جعلتهم أشباه الملائكة يمشون على الأرض لا سيما ناحية الصدق والأمانة، والتثبت والتحري والاحتياط، وذلك من كثرة ما قرر القرآن فيهم هذه الفضائل.
ومن عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بهم علما وعملا ومراقبة حتى أصبحوا بنعمة من الله وفضل منطبعة قلوبهم على هذه الجلاول متشبعة نفوسهم بمبادئ الشرف والنبل تأبى عليهم كرامتهم ان يقاربوا الكذب أو يقارفوا التهجم لا سيما التهجم على مقام الكتاب العزيز وكلام أصحاب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة رضي الله عنها " ما كان خلق أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع على الرجل من أصحابه على الكذب فما ينجلي من صدره حتى يعلم أنه أحدث توبة لله عز وجل "
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»