يصاغ منهم حكم على المجموع، وترجع هذه الأمية السائدة فيهم إلى غلبة البداوة عليهم وبعدهم عن أسباب الحضارة، وعدم اتصالهم اتصالا وثيقا بالأمتين المتحضرتين آنذاك الفرس والروم.
ومعلوم ان الكتابة والقراءة وامحاء الأمية في أية أمة رهين بخروجها من عهد السذاجة والبساطة إلى عهد المدنية والحضارة.
ثم إن هذه الأمية تجعل المرء منهم لا يعول إلا على حافظته وذاكرته فيما يهمه حفظه وذكره، ومن هنا كان تعويل الصحابة على حوافظهم يقدحونها في الإحاطة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لان الحفظ هو السبيل الوحيدة أو الشبيهة بالوحيدة إلى إحاطتهم بها، ولو كانت الكتابة شائعة فيهم لاعتمدوا على النقش بين السطور بدلا من الحفظ في الصدور.
نعم، كان هناك كتاب للوحي، وكان بعض الصحابة يكتبون القرآن لأنفسهم، إلا أن هؤلاء وهؤلاء كانوا فئة قليلة، ولعلك لم تنس ان كتابة القرآن في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان الغرض منها زيادة التوثق والاحتياط للقرآن الكريم بتقييده وتسجيله.
اما السند النبوية فقد نهز النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كتابتها أول الامر مخافة اللبس بالقرآن، إذ قال عليه الصلاة والسلام: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحرثوا عني فلا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوا مقعدة من النار " نعم. خشي الرسول صلى الله عليه وسلم ان يختلط القرآن بالسنة إذا هم كتبوا السنة كما كانوا يكتبون القرآن، أو ان تتوزع جهودهم وهي لا تحتمل ان يكتبوا جميع السنة وجميع القرآن فقصرهم على الأهم أولا وهو القرآن، خصوصا إذ لا حظنا ان أدوات الكتابة كانت نادرة لديهم إلى حد بعيد، حتى كانوا يكتبون في اللخاف والسعف والعظام كما علمت.
فرحمة بهم من ناحية، وأخذا لهم بتقديم الأهم على المهم من ناحية ثانية، وحفظا للقرآن أن يشتبه بالسنة إذا هم كتبوا الستة بجانب القرآن نظرا إلى عزة الورق، وندره أدوات الكتابة، رعاية لهذه الغاية الثلاث نهى الرسول عن كتابة السنة.
أما إذا امن اللبس ولم يخش الاختلاط،. كان الامر سهلا على اللخص فلا عليه ان