الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٣١
يتبركون به، وأب الواحد منهم وأبناؤه من ألد أعدائه ما داموا يعادون محمدا وحديث محمد موضع التنافس من رحالهم ونسائهم، حتى إذا أعيا أو أحد منهم طلابه، تناوب هو وزميل له الاختلاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقوم أحدهما بعمل الاخر عند ذهابه، ويقوم الاخر برواية ما سنعه وعرفة من الرسول بعد إيابه.
وهذه وافدة النساء تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، إلى غير ذلك من شواهد ومظاهر، تدل على مبلغ هذا الحب السامي الشريف ويرحم الله القائل: (الوافر) أسرت قريش مسلما في غزوة * فمضى بلا وجل إلى السياف سألوه: هل يرضيك انك سالم * ولك النبي فدى من الاتلاف فأجال كلا لا سلمت من الدرى * ويصاب انف محمد برعاف ولقد كان من مظاهر هذا الحب تسابقهم إلى كتاب الله يأخذون عنه، ويحفظونه منه، ثم إلى سنته الغراء يحيطون بأقوالها وأفعالها وأحوالها وتقديراتها، بل كانوا يتفننون في البحث عن هديه وخيره والوقوف على صفته وشكله، كما تجد ذلك واضحا من سؤال الحسن والحسين عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تجد ذلك واضحا من سؤال الحسن والحسين عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجيبا به من تجلية تلك الصور المحمدية الرائعة، ورسمها بريشة المصور الماهر والصناع القادر، على يد أبيهما علي بن أبي طالب، وخالهما هند بن أبي هالة رضي الله عنهم أجمعين.
العامل الخامس:
بلاغة القرآن الكريم إلى حد فاق كل بيان، وأخرس كل لسان واسكت كل معارض ومكابر، وهدم كل مجادل ومهاتر، حتى قام ولا يزال يقوم في فم الدنيا معجزة من الله لحبيبه، وآية من الحق لتأييد رسوله، وبعد كلام الله في اعجاز وبلاغته كلام محمد صلى الله عليه وسلم في اشراقه وديباجته وبراعته وجزالته ألفاظه وسمو معانيه وهدايته، فقد كان صلى الله عليه وسلم، أفصح الناس وأبلغ الناس، وكان العرب إلى جانب ذلك مأخوذين بكل فصيح بليغ، متنافسين في حفظ أجود المنظوم والمنثور، فمن هنا هبوا هبة واحدة يحفظون القرآن ويفهمون القرآن، وكذلك السنة النبوية كانت عن إبايتهم بحفظها والعمل بها تلي عنايتهم بالقرآن الكريم يتناقلونها ويتبادرونها كما سمعت.
والكلام في اسرار بلاغة القرآن ووجوه اعجازه، وفي بلاغة كلام النبوة وامتيازه وفي
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»