سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢٢ - الصفحة ١٧٠
الأولياء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره " فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة (1) وطبعا، كالحلم والكرم والعقل والحياء، وكان الله قد جبله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغا، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال.
قال الضياء: كان الموفق لا يناظر أحدا الا وهو يتبسم.
قلت: بل أكثر من عاينا لا يناظر أحدا إلا وينسم (2).
وقيل: إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه.
وبقي الموفق يجلس زمانا بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يشغل (3) إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويسمعون عليه، وكان يقرئ في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه. إلى أن قال الضياء: وما علمت أنه أوجع قلب طالب، وكانت له جارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئا، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم.
وسمعت (4) البهاء يقول: ما رأيت أكثر احتمالا منه.

(١) الجبلة: الخلقة، ومنه قوله تعالى: (والجبلة الأولين) (الشعراء: ١٨٤).
(٢) من السم - بفتح السين وضمها - وهو نتيجة لما كان يراه الذهبي بين أهل عصره من الضيق بالمناظرة العلمية.
(٣) الاشغال: التدريس، وهو غير " الاشتغال " بمعنى الطلب، وهذه اصطلاحات معروفة عند المتأخرين.
(٤) السماع للضياء، هو والذي بعده من الحكايات.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»