الامر لأجل متابعة السنة، وهذا حسن لمن قوي، ولم يؤذه إمامه، فإن آذاه، فله ترك السنة، وليس له ترك الفرض، إلا أن يخاف السيف.
أخبرني ابن رافع أنه قرأ بخط عماد الدين علي بن القاسم الحافظ ترجمة لأبيه (1) فقال: كان والدي بهاء الدين من الأئمة والعلماء حين بلغ حد السمع، سمعه عماه الحافظ أبو الحسين، وأبو عبد الله محمد من المشايخ الأعيان، ثم قدم أبوه - يعني من الرحلة - سنة ثلاث وثلاثين (2)، فأسمعه.
إلى أن قال: فتقرب عدة مشايخه من مئة شيخ، تفرد بالراية عن أكثرهم، ولم يزل يسمع، ويكتب، ويؤلف. قال: وحج في سنة خمس وخمسين، فسمع بمكة. إلى أن قال: ولولا تبييضه لكتاب التاريخ، ونقله من المسودة، لما قدر الشيخ الكبير - يعني والده علي إتقانه، ولا جوده، فإنه حين فرغ من تسويده، عجز عن نقله، وتجديده، وضبط ما فيه من المشكل، وتحديده، كأن نظره قد كل، وبصره قد قل، فلم يزل والدي يكتب، وينقله من الأوراق الصغار والظهور، ويهذب إلى أن نجز منه نحو مئة وخمسين جزءا، وكان بينهما نفرة، فكان لا يحضر السماع تلك المدة، فحكى لي والدي، قال: ضاق صدري، فأتيت الوالد ليلة النصف في المنارة الشرقية، وزال ما في قلبه. وسمعت أبا جعفر القرطبي كثيرا يقول عند غيبة والدك عنه: جزاه الله عني خيرا، فلولاه ماتم التاريخ، هذا أو معناه.