سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ٥٤٠
مستفيضا لحراسة درب، وقد جمع ولده شعره، وكان ابتدأ بكتاب " الاستيفاء " في الفقه، لم يضع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات.
قال لي: ولما قدم من الرحلة إلى الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة، إلا أنه كان خارجا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها، واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد، كلموه في ذلك، فدخل إلى ابن حزم، وناظره، وشهر باطله. وله معه مجالس كثيرة. قال: ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في " صحيح " البخاري (1).
قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازته الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة * وقال: إن رسول الله قد كتبا (2) فصنف القاضي أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة.
قلت: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب اسمه ليس إلا، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا، وما من كتب اسمه من الامراء والولاة إدمانا للعلامة يعد كاتبا، فالحكم للغالب لا لما ندر، وقد قال عليه السلام: " إنا أمة

(1) انظر الحديث رقم (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، وقد توسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه فراجعه.
(2) في " ترتيب المدارك " 4 / 805 أن قائل البيت هو عبد الله بن هند.
(٥٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 ... » »»