فعكف على الدرس والمطالعة، وفقه وتميز في رأي العبيدية، ومهر في تأويلاتهم، وقلبهم للحقائق (1). وهو القائل:
أنكحت بيض الهند سمر رماحهم * فرؤوسهم عوض النثار نثار وكذا العلى لا يستباح نكاحها * إلا بحيث تطلق الأعمار (2) ثم صار يحج بالناس على طريق السراة (3) خمس عشرة سنة، وكان الناس يقولون له: ستملك اليمن بأسره. فينكر على القائل، فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربع مئة، ثار بجبل مشار (4) في ستين رجلا، فأووا إلى ذروة شاهق، فما أمسوا حتى أحاط بهم عشرون ألفا، وقالوا: انزل وإلا قتلناكم جوعا وعطشا. قال: ما فعلت هذا إلا خوفا أن يملكه غيرنا، وإن تركتمونا نحرسة، وإلا نزلنا إليكم. وخدعهم، فانصرفوا، فلم يمض عليه أشهر حتى بناه وحصنه (5)، ولحق به كل طماع وذي جلادة، وكثروا، فاستفحل أمره، وأظهر الدعوة لصاحب مصر المستنصر، وكان يخاف من نجاح صاحب تهامة، ويلاطفه، ويتحيل عليه، حتى سقاه مع جارية مليحة أهداها له، واستولى على الممالك اليمنية في سنة خمس وخمسين وأربع مئة، وخطب على منبر الجند (6)، فقال: وفي مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. فقال رجل: